الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ }

في قوله تعالى { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } وجهان من التفسير وكلاهما يشهد له القرآن الأول - أن المعنى ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى. أي لتتعب التعب الشديد بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم. وتحسرهم على أن يؤمنوا. وهذا الوجه جاءت بنحوه آيات كثيرة كقوله تعالىفَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } فاطر 8 الآية وقوله تعالىفَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } الكهف6 وقولهلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } الشعراء 3. والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً وقد قدمنا في مواضع من هذا الكتاب المبارك. الوجه الثاني - أنه صلى الله عليه وسلم صلى بالليل حتى تورَّمتْ قدماه فأنزل الله { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } أي تنهك نفسك بالعبادة وتذيقها المشقة الفادحة. وما بعثناك إلا بالحنيفية السمحة. وهذا الوجه تدل له ظواهر آيات من كتاب الله كقولهوَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } الحج 78 وقولهيُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ } البقرة 185. والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ويفهم من قوله { لتشقى } أنه أُنزل عليه ليسعد. كما يدل له الحديث الصحيح " من يُرد الله به خيراً يفقهه في الدين " وقد روى الطبراني عن ثعلبة بن الحكم رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن الله يقول للعلماء يوم القيامة إني لم أجعل علمي وحكتمي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ولا أبالي " وقال ابن كثير إن إسناده جيد ويشبه معنى الآية على هذا القول الأخير قوله تعالىفَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ } المزمل 20 الآية. وأصل الشقاء في لغة العرب العناء والتعب ومنه قول أبي الطيب
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم   
ومنه قوله تعالىفَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ } طه 117.