الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ }

قوله تعالى { فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ }. الفاء في قوله { فَأَكَلاَ } تدل على أن سبب أكلها هو وسوسة الشيطان المذكورة قبله في قولهفَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ } طه 120 أي فأكلا منها بسبب تلك الوسوسة. وكذلك الفاء في قوله { فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا } تدل على أن سبب ذلك هو أكلهما من الشجرة المذكورة، فكانت وسوسة الشيطان سبباً للأكل من تلك الشجرة. وكان الأكل منها سبباً لبدو سوءاتهما. وقد تقرر في الأصول في مسلك الإيماء والتنبيه أن الفاء تدل على التعليل كقولهم سها فسجد، أي لعلة سهوه. وسرق فقطعت يده، أي لعلة سرقته. كما قدمناه مراراً. وكذلك قوله هنا { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ قَالَ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ فَأَكَلاَ مِنْهَا } أي بسبب تلك الوسوسة فبدت لهما سوءاتهما، أي بسبب ذلك الأكل، ففي الآية ذكر السبب وما دلت عليه الفاء هنا كما بينا من أن وسوسة الشيطان هي سبب ما وقع من آدم وحواء جاء مبيناً في مواضع من كتاب الله، كقوله تعالىفَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } البقرة 36 فصرح بأن الشيطان هو الذي أزلهما. وفي القراءة الأخرى " فأزالهما " وأنه هو الذي أخرجهما مما كانا فيه، أي من نعيم الجنة، وقوله تعالىيَابَنِيۤ آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ } الأعراف 27 الآية، وقولهفَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ } الأعراف 22 إلى غير ذلك من الآيات. وما ذكره جل وعلا في آية " طه " هذه من ترتب بدو سوءاتهما على أكلهما من تلك الشجرة أوضحه في غير هذا الموضع، كقوله في " الأعراف "فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ } الأعراف 22 إلى غير ذلك من الآيات. وما ذكره جل وعلا في آية " طه " هذه من ترتب بدو سوءاتهما على أكلهما من تلك الشجرة أوضحه في غير هذا الموضع، كقوله في " الأعراف "فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا } الأعراف 22، وقوله فيها. أيضاًكَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ } الأعراف 27. وقد دلت الآيات المذكورة على أن آدم وحواء كانا في ستر من الله يستر به سوءاتهما، وأنهما لما أكلا من الشجرة التي نهاهما ربهما عنهما انكشف ذلك الستر بسبب تلك الزلة. فبدت سوءاتهما أي عوراتهما. وسميت العورة سوءة لأن انكشافها يسوء صاحبها، وصارا يحاولان ستر العورة بورق شجر الجنة، كما قال هنا { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ } ، وقال في " الأعراف "فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ } الأعراف 22 الآية. وقوله { وَطَفِقَا } أي شرعا. فهي من أفعال الشروع، ولا يكون خبر أفعال الشروع إلا فعلاً مضارعاً غير مقترن بـ " أن " وإلى ذلك أشار في الخلاصة بقوله

السابقالتالي
2 3 4 5 6