الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَقُلْنَا يآءَادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ } * { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ } * { وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ }

قوله تعالى في هذه الآية الكريمة { إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ } قد قدمنا الآيات الموضحة له في " الكهف " فأغنى ذلك عن إعادته هنا. وقوله في هذه الآية الكريمة { فَتَشْقَىٰ } أي فتتعب في طلب المعيشة بالكد والاكتساب. لأنه لا يحصل لقمة العيش في الدنيا بعد الخروج من الجنة حتى يحرث الأرض، ثم يزرعها، ثم يقوم على الزرع حتى يدرك، ثم يدسه، ثم ينقيه، ثم يطحنه، ثم يعجنه، ثم يخبره. فهذا شقاؤه المذكور. والدليل على أن المراد بالشقاء في هذه الآية التعب في اكتساب المعيشة قوله تعالى بعده { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ } يعني احذر من عدوك أن يخرجك من دار الراحة التي يضمن لك فيها الشبع والري، والكسوة والسكن. قال الزمخشري وهذه الأربعة هي الأقطاب التي يدور عليها كفاف الإنسان، فذكره استجماعها له في الجنة، وأنه مكفي لا يحتاج إلى كفاية كاف، ولا إلى كسب كاسب كما يحتاج إلى ذلك أهل الدنيا. وذكرها بلفظ النفي لنقائضها التي هي الجوع والعري والظمأ والضحو ليطرق سمعه بأسامي أصناف الشقوة التي حذره منها، حتى يتحامى السبب الموقع فيها كراهة لها ـ ا هـ. فقوله في هذه الآية الكريمة { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ } قرينة واضحة على أن الشقاء المحذر منه تعب الدنيا في كد المعيشة ليدفع به الجوع والظمأ والعري والضحاء. والجوع معروف، والظمأ العطش. والعري بالضم خلاف اللبس. وقوله { وَلاَ تَضْحَىٰ } أي لا تصير بارزاً للشمس، ليس لك ما تستكن فيه من حرها. تقول العرب ضحى يضحى، كرضي يرضى. وضحى يضحى كسعى يسعى إذا كان بارزاً لحر الشمس ليس له ما يكنه منه. ومن هذا المعنى قول عمر بن أبي ربيعة
رأت رجلاً أيما إذا الشمس عارضت فيضحي وأما بالعشي فينحصر   
وقول الآخر
ضحيت له كي أستظل بظله إذا الظل أضحى في القيامة قالصا   
وقرأ هذا الحرف عامة السبعة ما عدا نافعاً وشعبة عن عاصم { وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ } بفتح همزة " أن " ، والمصدر المنسبك من " أن " وصلتها معطوف على المصدر المنسبك من " أن " وصلتها في قوله { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ } أي وإن لك أنك لا تظمأ فيها ولا تضحى. ويجوز في المصدر المعطوف المذكور النصب والرفع، كما أشار إلى ذلك في الخلاصة بقوله
وجائز رفعك معطوفاً على منصوب إن بعد أن تستكملا   
وإيضاح تقدير المصدرين المذكورين إن لك عدم الجوع فيها، وعدم الظمأ. تنبيه أخذ بعض العلماء من هذه الآية الكريمة وجوب نفقة الزوجة على زوجها لأن الله لما قال { إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ } بخطاب شامل لآدم وحواء، ثم خص آدم بالشقاء دونها في قوله { فَتَشْقَىٰ } دل ذلك على أنه هو المكلف بالكد عليها وتحصيل لوازم الحياة الضرورية لها من مطعم، ومشرب، وملبس، ومسكن.

السابقالتالي
2 3