الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً }

قوله { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ } أي أوصيناه ألا يقرب تلك الشجرة. وهذا العهد إلى آدم الذي أجمله هنا بينه في غير هذا الموضع، كقوله في سورة " البقرة "وَقُلْنَا يَاآدَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّالِمِينَ } البقرة 35 فقوله { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } هو عهده إلى آدم المذكور هنا. وقوله في " الأعراف "وَيَا آدَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } الأعراف 19. وقوله تعالى { فَنَسِيَ } فيه للعلماء معروفان أحدهما - أن المراد بالنسيان الترك، فلا ينافي كون الترك عمداً. والعرب تطلق النسيان وتريد به الترك ولو عمداً، ومنه قوله تعالىقَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ } طه 126 فالمراد في هذه الآية الترك قصداً. وكقوله تعالىفَٱلْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـٰذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } الأعراف 51، وقوله تعالىفَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } السجدة 14، وقوله تعالىوَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } الحشر 19، وقوله تعالىوَقِيلَ ٱلْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } الجاثية 34. وعلى هذا فمعنى قوله { فَنَسِيَ } أي ترك الوفاء بالعهد، وخالف ما أمره الله به من ترك الأكل من تلك الشجرة، لأن النهي عن الشيء يستلزم الأمر بضده. والوجه الثاني ـ هو أن المراد بالنسيان في الآية النسيان الذي هو ضد الذكر، لأن إبليس لما أقسم له بالله أنه له ناصح فيما دعاه إليه من الأكل من الشجرة التي نهاه ربه عنها - غره وخدعه بذلك، حتى أنساه العهد المذكور. كما يشير إليه قوله تعالىوَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ } الأعراف 21-22. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال إنما سمي الإنسان لأنه عهد إليه فنسي رواه عنه ابن أبي حاتم ا هـ. ولقد قال بعض الشعراء
وما سمي الإنسان إلا لنسيه ولا القلب إلا أنه يتقلب   
أما على القول الأول فلا إشكال في قولهوَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } طه 121 وأما على الثاني ففيه إشكال معروف. لأن الناسي معذور فكيف يقال فيه { وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ }. وأظهر أوجه الجواب عندي عن ذلك أن آدم لم يكن معذوراً بالنسيان. وقد بينت في كتابي دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب الأدلة الدالة على أن العذر بالنسيان والخطأ والإكراه من خصائص هذه الأمة. كقوله هنا { فَنَسِيَ } مع قوله { وَعَصَىٰ } فأسند إليه النسيان والعصيان، فدل على أنه غير معذور بالنسيان. ومما يدل على هذا ما ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس وأبي هريرة أن النَّبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ

السابقالتالي
2 3