الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً }

قوله { عَنَتِ } أي ذلت وخضعت. تقول العرب عنا يعنو عنواً وعناء إذ ذلك وخضع، وخشع. ومنه قيل للأسير عان. لذله وخضوعه لمن أسره. ومنه قول أمية بن أبي الصلت الثقفي
مليك على عرش السماء مهيمن لعزته تعنو الوجوه وتسجد   
وقوله أيضاً
وعنا له وجهي وخلقي كله في الساجدين لوجهه مشكوراً   
واعلم أن العلماء اختلفوا في هذه الآية الكريمة، فقال بعضهم المراد بالوجوه التي ذلت وخشعت للحي القيوم وجوه العصا خاصة وذلك يوم القيامة وأسند الذل والخشوع لوجوههم، لأن الوجه تظهر فيه آثار الذل والخشوع. ومما يدل على هذا المعنى من الآيات القرآنية قوله تعالىفَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } الملك 27 الآية، وقولهوَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } القيامة 24-25، وقوله تعالىوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً } الغاشية 2-4، وعلى هذا القول انتصر الزمخشري واستدل له ببعض الآيات المذكورة. وقال بعض العلماء { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ } أي ذلت وخضعت وجوه المؤمنين لله في دار الدنيا، وذلك بالسجود والركوع. وظاهر القرآن يدل على أن المراد الذل والخضوع لله يوم القيامة، لأن السياق في يوم القيامة، وكل الخلائق تظهر عليهم في ذلك اليوم علامات الذل والخضوع لله جل وعلا. وقوله في هذه الآية { وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } قال بعض العلماء أي خسر من حمل شركاً. وتدل لهذا القول الآيات القرآنية الدالة على تسمية الشرك ظلماً. كقولهإِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } لقمان 13، وقولهوَٱلْكَافِرُونَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } البقرة 254، وقولهوَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ ٱلظَّالِمِينَ } يونس 106، وقوله { وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } يعم الشرك وغيره من المعاصي. وخيبة كل ظالم بقدر ما حمل من الظلم، والعلم عند الله تعالى. وقوله في هذه الآية الكريمة { لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ } الحي المتصف بالحياة الذي لا يموت أبداً. والقيوم صيغة مبالغة. لأنه جل وعلا هو القائم بتدبير شؤون جميع الخلق. وهو القائم على كل نفس بما كسبت. وقيل القيوم الدائم الذي لا يزول.