الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ }

قوله تعالى { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } الآية - لا يخفى أن الواو في قوله { وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ } محتملة في الحرفين أن تكون عاطفة على ما قبلها، وأن تكون استئنافية. ولم يبين ذلك هنا، ولكن بين في موضع آخر أن قوله { وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ } معطوف على قوله { عَلَىٰ قُلُوبِهمْ } وأن قوله { وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ } استئناف، والجار والمجرور خبر المبتدأ الذي هو { غِشَاوَةٌ } وسوغ الابتداء بالنكرة فيه اعتمادها على الجار والمجرور قبلها. ولذلك يجب تقديم هذا الخبر، لأنه هو الذي سوغ الابتداء بالمبتدأ كما عقده في الخلاصة بقوله
ونحو عندي درهم ولي وطر ملتزم فيه تقدُّم الخبر   
فتحصل أن الختم على القلوب والأسماع، وأن الغشاوة على الأبصار، وذلك في قوله تعالىأَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً } الجاثية 23. والختم الاستيثاق من الشيء حتى لا يخرج منه داخل فيه ولا يدخل فيه خارج عنه، والغشاوة الغطاء على العين يمنعها من الرؤية، ومنه قول الحارث بن خالد بن العاص
هويتك إذ عيني عليها غشاوة فلما انجلت قطعت نفسي ألومها   
وعلى قراءة من نصب " غشاوة " فهي منصوبة بفعل محذوف أي وجعل على أبصارهم غشاوة كما في سورة الجاثية، وهو كقوله
علفتها تبناً وماءاً بارداً حتى شتت همالة عيناها   
وقول الآخر
ورأيت زوجك في الوغى متقلداً سيفاً ورمحا   
وقول الآخر
إذا ما الغانيات برزن يوماً وزججن الحواجب والعيونا   
كما هو معروف في النحو. وأجاز بعضهم كونه معطوفاً على محل المجرور، فإن قيل قد يكون الطبع على الأبصار أيضاً، كما في قوله تعالى في سورة النحلأُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } النحل 108 الآية. فالجواب أن الطبع على الأبصار المذكور في آية النحل هو الغشاوة المذكورة في سورة البقرة والجاثية، والعلم عند الله تعالى.