الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِٱلْعَدْلِ وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَٰنٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }

قوله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ }. ظاهر هذه الآية الكريمة أن كتابة الدين واجبة. لأن الأمر من الله يدل على الوجوب - ولكنه أشار إلى أنه أمر إرشاد لا إيجاب بقوله { وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ } البقرة 283 لأن الرهن لا يجب إجماعاً وهو بدل من الكتابة عند تعذرها في الآية فلو كانت الكتابة واجبة لكان بدلها واجباً. وصرح بعدم الوجوب بقوله { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } البقرة 283 فالتحقيق أن الأمر في قوله { فَٱكْتُبُوهُ } البقرة 282 للندب والإرشاد. لأن لرب الدين أن يهبه ويتركه إجماعاً، فالندب إلى الكتابة فيه إنما هو على جهة الحيطة للناس قاله القرطبي. وقال بعضهم إن أشهدت فحزم، وإن ائتمنت ففي حل وسعة ابن عطية، وهذا القول هو الصحيح قاله القرطبي أيضاً. وقال الشعبي كانوا يرون أن قوله { فَإِنْ أَمِنَ } البقرة 283 الآية ناسخ لأمره بالكتب، وحكى نحوه ابن جريج، وقاله ابن زيد، وروي عن أبي سعيد الخدري وذهب الربيع إلى أن ذلك واجب بهذه الألفاظ ثم خففه الله تعالى بقوله { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً } البقرة 283 وتمسك جماعة بظاهر الأمر في قوله { فَٱكْتُبُوهُ } البقرة 282 فقالوا إن كتب الدين واجب فرض بهذه الآية بيعاً كان أو فرضاً. لئلا يقع فيه نسيان أو جحود وهو اختيار ابن جرير الطبري في تفسيره. وقال ابن جريج من أدان فليكتب ومن باع فليشهد اهـ من القرطبي وسيأتي له زيادة بيان إن شاء الله قريباً. تنبيه أخذ بعض العلماء من قوله تعالى { وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ } البقرة 283 الآية. أن الرهن لا يكون مشروعاً إلا في السفر كما قاله مجاهد والضحاك وداود والتحقيق جوازه في الحضر. وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير. وفي الصحيحين أنها درع من حديد. وروى البخاري وأحمد والنسائي وابن ماجه عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم رهن درعاً عند يهودي بالمدينة وأخذ منه شعيراً لأهله. ولأحمد والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس مثل حديث عائشة فدل الحديث الصحيح على أن قوله { وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ } البقرة 283 لا مفهوم مخالفة له. لأنه جرى على المر الغالب، إذ الغالب أن الكاتب لا يتعذر في الحضر وإنما يتعذر غالباً في السفر، والجري على الغالب من موانع اعتبار مفهوم المخالفة كما ذكرناه في هذا الكتاب مراراً والعلم عند الله تعالى. قوله تعالى { وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ }. ظاهر هذا الأمر الوجوب أيضاً فيجب على من باع أن يشهد وبهذا قال أبو موسى الأشعري وابن عمر والضحاك وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد ومجاهد وداود بن علي وابنه أبو بكر وعطاء وإبراهيم قاله القرطبي وانتصر له ابن جرير الطبري غاية الانتصار وصرح بأن من لم يشهد مخالف لكتاب الله وجمهور العلماء على أن الإشهاد على المبايعة وكتابة الدين أمر مندوب إليه لا واجب ويدل لذلك قوله تعالى { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً } الآية.

السابقالتالي
2 3 4