قوله تعالى { فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ } الآية. معنى هذه الآية الكريمة أن من جاءه موعظة من ربه يزجره بها عن أكل الربا فانتهى أي ترك المعاملة بالربا. خوفاً من الله تعالى وامتثالاً لأمره { فَلَهُ مَا سَلَفَ } البقرة 275 أي ما مضى قبل نزول التحريم من أموال الربا ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أن الله لا يؤاخذ الإنسان بفعل أمر إلا بعد أن يحرمه عليه، وقد أوضح هذا المعنى في آيات كثيرة فقد قال في الذين كانوا يشربون الخمر، ويأكلون مال الميسر قبل نزول التحريم{ لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ } المائدة 93 الآية. وقال في الذين كانوا يتزوجون أزواج آبائهم قبل التحريم{ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } النساء 22 أي لكن ما سلف قبل التحريم فلا جناح عليكم فيه ونظيره قوله تعالى{ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلاخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } النساء 23. وقال في الصيد قبل التحريم{ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف } المائدة 95 الآية. وقال في الصلاة إلى بيت المقدس قبل نسخ استقباله{ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } البقرة 143 أي صلاتكم إلى بيت المقدس قبل النسخ. ومن أصرح الأدلة في هذا المعنى أن النَّبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين لما استغفروا لقربائهم الموتى من المشركين وأنزل الله تعالى{ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } التوبة 113 وندموا على استغفارهم للمشركين أنزل الله في ذلك{ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ } التوبة 115 فصرح بأنه لا يضلهم بفعل أمر إلا بعد بيان اتقائه.