الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }

قوله تعالى { تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ }. لم يبين هنا هذا الذي كلمه الله منهم وقد بين أن منهم موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بقولهوَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } النساء 164 وقولهإِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي } الأعراف 144. قال ابن كثير منهم من كلم الله يعني موسى ومحمداً صلى الله عليه وسلم، وكذلك آدم كما ورد في الحديث المروي في صحيح ابن حبان عن أبي ذر رضي الله عنه قال مقيده - عفا الله عنه - تكليم آدم الوارد في صحيح ابن حبان يبينه قوله تعالىوَقُلْنَا يَاآدَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ } البقرة 35 وأمثالها من الآيات فإنه ظاهر في أنه بغير واسطة الملك، ويظهر من هذه الآية نهي حواء عن الشجرة على لسانه، فهو رسول إليها بذلك قال القرطبي في تفسير قوله تعالى { مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ } البقرة 253 ما نصه وقد " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آدم أنبي مرسل هو؟ فقال نعم نبي مكلم " ، قال ابن عطيه وقد تأول بعض الناس أن تكليم آدم كان في الجنة، فعلى هذا تبقى خاصية موسى اهـ وقال ابن جرير في تفسير قوله تعالىفَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى } البقرة 38 في سورة البقرة ما نصه لأن آدم كان هو النَّبي صلى الله عليه وسلم أيام حياته، بعد أن أهبط إلى الأرض، والرسول من الله جل ثناؤه إلى ولده، فغير جائز أن يكون معنياً وهو - الرسول صلى الله عليه وسلم - بقولهفَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى } البقرة 38 أي رسل اهـ محل الحجة منه بلفظه. وفيه وفي كلام ابن كثير المتقدم عن صحيح ابن حبان التصريح بأن آدم رسول وهو مشكل مع ما ثبت في حديث الشفاعة المتفق عليه من أن نوحاً عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أول الرسل ويشهد له قوله تعالىإِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ } النساء 163 والظاهر أنه لا طريق للجمع إلا من وجهين الأول أن آدم أرسل لزوجه وذريته في الجنة، ونوح أول رسول أرسل في الأرض، ويدل لهذا الجمع ما ثبت في الصحيحين وغيرهما، ويقول " ولكن ائتوا نوحاً فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض " الحديث فقوله إلى أهل الأرض لو لم يرد به الاحتراز عن رسول بعث لغير أهل الأرض، لكان ذلك الكلام حشوا، بل يفهم من مفهوم مخالفته ما ذكرنا. ويتأنس له بكلام ابن عطية الذي قدمنا نقل القرطبي له. الوجه الثاني أن آدم أرسل إلى ذريته وهم على الفطرة لم يصدر منهم كفر فأطاعوه، ونوح هو أول رسول أرسل لقوم كافرين ينهاهم عن الإشراك بالله تعالى، ويأمرهم بإخلاص العبادة له وحده، ويدل لهذا الوجه قوله تعالى

السابقالتالي
2 3