الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله تعالى { وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ }. ظاهر هذه الآية شمولها لجميع المطلقات، ولكنه بين في آيات أخر خروج بعض المطلقات من هذا العموم، كالحوامل المنصوص على أن عدتهن وضع الحمل، في قولهوَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } الطلاق 4، وكالمطلقات قبل الدخول المنصوص على أنهن لا عدة عليهن أصلاً، بقولهيٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } الأحزاب 49. أما اللواتي لا يحضن، لكبر أو صغر، فقد بين أن عدتهن ثلاثة اشهر في قولهوَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّتِي لَمْ يَحِضْنَ } الطلاق 4. قوله تعالى { ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } البقرة 228 فيه إجمال لأن القرء يطلق لغة على الحيض، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " دعي الصلاة أيام أقرائك " ويطلق القرء لغة أيضاً على الطهر ومنه قول الأعشى.
أفي كلِّ يومٍ أنت جاشِمُ غزوةٍ تَشُد لأقصاها عزيمَ عزائكا مورثةٍ مالاً وفي الحي رفعةٌ لِما ضاع فيها من قروء نسائكا   
ومعلوم أن القرء الذي يضيع على الغازي من نسائه هو الطهر دون الحيض، وقد اختلف العلماء في المراد بالقروء في هذه الآية الكريمة، هل هو الأطهار أو الحيضات؟ وسبب الخلاف اشتراك القرء بين الطهر والحيض كما ذكرنا، وممن ذهب إلى أن المراد بالقرء في الآية الطهر، مالك، والشافعي، وأم المؤمنين عائشة، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر، والفقهاء السبعة، وأبان بن عثمان، والزهري، وعامة فقهاء المدينة، وهو رواية عن أحمد، وممن قال بأن القروء الحيضات، الخلفاء الراشدون الأربعة، وابن مسعود، وأبو موسى، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، وابن عباس، ومعاذ بن جبل، وجماعة من التابعين وغيرهم، وهو الرواية الصحيحة عن أحمد. واحتج كل من الفريقين بكتاب وسنة، وقد ذكرنا في ترجمة هذا الكتاب أننا في مثل ذلك نرجح ما يظهر لنا أن دليله أرجح، أما الذين قالوا القروء الحيضات، فاحتجوا بأدلة كثيرة منها قوله تعالىوَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّتِي لَمْ يَحِضْنَ } الطلاق 4. قالوا فترتيب العدة بالأشهر على عدم الحيض يدل على أن أصل العدة بالحيض، والأشهُر بدل من الحيضات عند عدمها، واستدلّوا أيضاً بقوله { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ } البقرة 228. قالوا هو الولد، أو الحيض، واحتجوا بحديث " دعي الصلاة أيام أقرائك " قالوا إنه صلى الله عليه وسلم هو مبين الوحي وقد أطلق القرء على الحيض، فدل ذلك على أنه المراد في الآية، واستدلوا بحديث اعتداد الأمة بحيضتين، وحديث استبرائها بحيضة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7