الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } * { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله تعالى { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ }. لم يبين هنا هذا المكان المأمور بالإتيان منه المعبر عنه بلفظه " حيث " ولكنه بين أن المراد به الإتيان في القبل في آيتين. إحداهما هي قوله هنا { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ } البقرة 223 لأن قوله { فَأْتُواْ } أمر بالإتيان بمعنى الجماع، وقوله { حَرْثَكُمْ } يبين أن الإتيان المأمور به إنما هو في محل الحرث، يعني بذر الولد بالنطفة، وذلك هو القبل دون الدبر كما لا يخفى لأن الدبر ليس محل بذر للأولاد، كما هو ضروري. الثانية قوله تعالىفَٱلآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } البقرة 187، لأن المراد بما كتب الله لكم، الولد، على قول الجمهور، وهو اختيار ابن جرير، وقد نقله عن ابن عباس، ومجاهد، والحكم، وعكرمة والحسن البصري، والسدي، والربيع، والضحاك بن مزاحم. ومعلوم أن ابتغاء الولد إنما هو بالجماع في القبل. فالقبل إذن هو المأمور بالمباشرة فيه، بمعنى الجماع، فيكون معنى الآية فالآن باشروهن، ولتكن تلك المباشرة في محل ابتغاء الولد، الذي هو القبل دون غيره، بدليل قولهوَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } البقرة 187 يعني الولد. ويتضح لك من هذا أن معنى قوله تعالى { أَنَّىٰ شِئْتُمْ } البقرة 223 يعني أن يكون الإتيان في محل الحرث على أي حالة شاء الرجل، سواء كانت المرأة مستلقية أو باركة أو على جنب، أو غير ذلك، ويؤيد هذا ما رواه الشيخان وأبو داود والترمذي عن جابر رضي الله عنه قال كانت اليهود تقول إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول، فنزلت { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } البقرة 223. فظهر من هذا أن جابراً رضي الله عنه يرى أن معنى الآية، فأتوهن في القبل على أية حالة شئتم ولو كان من ورائها. والمقرر في علوم الحديث أن تفسير الصحابي الذي له تعلق بسبب النزول له حكم الرفع كما عقده صاحب طلعة الأنوار بقوله
تفسير صاحب له تعلق بالسبب الرفع له محقق   
وقد قال القرطبي في تفسير قوله تعالى { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } ما نصه وما استدل به المخالف من أن قوله عز وجل { أَنَّىٰ شِئْتُمْ } شامل للمسالك بحكم عمومها، فلا حجة فيها إذ هي مخصصة بما ذكرناه، وبأحاديث صحيحة، حسان شهيرة، رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر صحابياً، بمتون مختلفة، كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الأدبار، ذكرها أحمد بن حنبل في مسنده، وأبو داود، و النسائي، والترمذي، وغيرهم. وقد جمعها أبو الفرج بن الجوزي بطرقها في جزء سماه تحريم المحل المكروه. ولشيخنا أبي العباس أيضا في ذلك جزء سماه " إظهار إدبار من أجاز الوطء في الأدبار " قلت وهذا هو الحق المتبع، و الصحيح في المسألة.

السابقالتالي
2 3 4