الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ } الآية. ظاهر هذه الآية أن جميع أنواع الميتة والدم حرام، ولكنه بين في موضع آخر أن ميتة البحر خارجة عن ذلك التحريم وهو قولهأُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ } المائدة 96 الآية. إذ ليس للبحر طعام غير الصيد إلا ميتته. وما ذكره بعض العلماء من أن المراد بطعامه قديده المجفف بالملح مثلاً، وأن المراد بصيده الطري منه. فهو خلاف الظاهر. لأن القديد من صيده فهو صيد جعل قديداً، وجمهور العلماء على أن المراد بطعامه ميتته. منهم أبو بكر الصديق، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر، وأبو أيوب الأنصاري - رضي الله عنهم أجمعين - وعكرمة، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وإبراهيم النخعي، والحسن البصري، وغيرهم. كما نقله عنهم ابن كثير. وأشار في موضع آخر إلى أن غير المسفوح من الدماء ليس بحرام، وهو قولهإِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً } الأنعام 145، فيفهم منه أن غير المسفوح كالحمرة التي تعلو القدر من أثر تقطيع اللحم ليس بحرام، إذ لو كان كالمسفوح لما كان في التقييد بقوله { مَّسْفُوحاً } فائدة. وقد جاء عن النَّبي صلى الله عليه وسلم " أن الله أحل له ولأمته ميتتين ودمين " أما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال. وسيأتي الكلام على هذا الحديث في الأنعام إن شاء الله تعالى. وعنه صلى الله عليه وسلم في البحر " هو الحل ميتته " ، أخرجه مالك وأصحاب السنن والإمام أحمد والبيهقي والدراقطني في سننيهما، والحاكم في المستدرك، وابن الجارود في المنتفى، وابن أبي شيبة. وصححه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، والبخاري. وظاهر عموم هذا الحديث وعموم قوله تعالى { وَطَعَامُهُ } يدل على إباحة ميتة البحر مطلقاً. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه أنه أكل من العنبر، وهو حوت ألقاه البحر ميتاً وقصته مشهورة. وحاصل تحرير فقه هذه المسالة أن ميتة البحر على قسمين قسم لا يعيش إلا في الماء، وإن أخرج منه مات كالحوت، وقسم يعيش في البر، كالضفادع ونحوها. أما الذي لا يعيش إلا في الماء كالحوت، فميتته حلال عند جميع العلماء، وخالف أبو حنيفة - رحمه الله - فيما مات منه في البحر وطفا على وجه الماء، فقال فيه هو مكروه الأكل، بخلاف ما قتله إنسان أو حسر عنه البحر فمات، فإنه مباح الأكل عنده. وأما الذي يعيش في البر من حيوان البحر كالضفادع، والسلحفاة، والسرطان، وترس الماء، فقد اختلف فيه العلماء. فذهب مالك بن أنس إلى أن ميتة البحر من ذلك كله مباحة الأكل، وسواء مات بنفسه، ووجد طافياً أو بالاصطياد، أو أخرج حياً، أو ألقي في النار، أو دس في طين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد