قوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة { وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ هُدًى } دليل على رجحان القول الثَّاني في الآية المتقدمة. وأن المعنى أن من كان في الضلالة زاده الله ضلالة، ومن اهتدى زاده الله هدى. والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة، كقوله في الضلال{ فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } الصف 5، وقوله{ بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } النساء 155، وقوله{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } المنافقون 3، وقوله تعالى{ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } الأنعام 110 الآية، كما قدمنا كثيراً من الآيات الدالة على هذا المعنى. وقال في الهدى{ وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ } محمد 17، وقال{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ } الفتح 4، وقال{ وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } العنكبوت 69 الآية وقد جمع بينهما في آيات أخر.كقوله{ وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } الإسراء 82 وقوله تعالى{ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } فصلت 44 الآية، وقوله تعالى{ وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ } التوبة 124-125 كما تقدم إيضاحه. وقوله { وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّا } تقدم إيضاحه في سورة " الكهف ". فإن قيل ظاهر الآية أن لفظة { خير } في قوله { ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّا } صيغة تفضيل، والظاهر أن المفضل عليه هو جزاء الكافرين. ويدل لذلك ما قاله صاحب الدر المنثور، قال وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً }. يعني خير جزاء من جزاء المشركين. { وخير مرداً } يعني مرجعاً من مرجعهم إلى النار. والمعروف في العربية أن صيغة التفضيل تقتضي مشاركة المفضل المفضل عليه. في أصل المصدر، مع أن المفضل يزيد فيه على المفضل عليه. والخيرية منفية بتاتاً عن جزاء المشركين وعن مردهم، فلم يشاركوا في ذلك المسلمين حتى يفضلوا عليهم. فالجواب - أن الزمخشري في كشَّافه حاول الجواب عن هذا السؤال بما حاصله أنه كأنه قيل ثوابهم النار، والجنة خير منها على طريقة قول بشر بن أبي حازم
غضبت تميم أن تقتل عامر يوم النسار فأعتبوا بالصيلم
فقوله " أعتبوا بالصيلم " يعني أرضوا بالسيف، أي لا رضى لهم عندنا إلا السيف لقتلهم به. ونظيره قول عمرو بن معدي كرب