الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَٰتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً } * { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً }

قوله تعالى في هذه الآية الكريمة { خير مقاماً } قرأه ابن كثير بضم الميم. والباقون بفتحها. وقوله { ورئْيا } قرأه قالون وابن ذكوان " ورياً " بتشديد الياء من غير همز. وقرأه الباقون بهمزة ساكنة بعد الراء وبعدها ياء مخففة. ومعنى الآية الكريمة أن كفار قريش كانوا إذا يتلوا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه آيات هذا القرآن، في حال كونها بينات أي مرتلات الألفاظ، واضحات المعاني، بينات المقاصد، إما محكمات جاءت واضحة، أو متشابهات قد تبعها البيان بالمحكمات، أو تبيين الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً، أو ظاهرات الإعجاز تحدي بها فلم يقدر على معارضتها - أو حججا وبراهين. والظاهر أن قوله { بيِّناتٍ } حال مؤكدة. لأن آيات الله لا تكون إلا كذلك. و نظير ذلك قوله تعالىوَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً } البقرة 91 أي إذا تتلى عليهم آيات الله في حال كونها متصفة بما ذكرنا عارضوها واحتجوا على بطلانها، وأن الحق معهم لا مع من يتلوها بشبهة ساقطة لا يحتج بها إلا من لا عقل له. ومضمون شبهتهم المذكورة أنهم يقولون لهم نحن أوفر منكم حظاً في الدنيا، فنحن أحسن منكم منازل، وأحسن منكم متاعاً، وأحسن منكم منظراً، فلولا أننا أفضل عند الله منكم لما آثرنا عليكم في الحياة الدنيا، وأعطانا من نعيمها وزينتها ما لم يعطكم. فقوله { أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً } أي نحن وأنتم أينا خير مقاماً. والمقام على قراءة ابن كثير بضم الميم محل الإقامة، وهو المنازل والأمكنة التي يسكنونها. وعلى قراءة الجمهور فالمقام بفتح الميم مكان القيام وهو موضع قيامهم وهو مساكنهم ومنازلهم. وقيل وهو موضع القيام بالأمور الجليلة، والأول هو الصواب. وقوله { وَأَحْسَنُ نَدِيّاً } أي مجلساً ومجتمعاً. والاستفهام في قوله { أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ } الظاهر أنه استفهام تقرير. ليحملوا به ضعفاء المسلمين الذين هم في تقشف ورثاثة هيئة على أن يقولوا أنتم خير مقاماً وأحسن ندياً منا. وعلى كل حال فلا خلاف أن مقصودهم بالاستفهام المذكور أنهم - أي كفار قريش - خير مقاماً وأحسن ندياً من أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك هو دليلهم على أنهم على الحق، وأنهم أكرم على الله من المسلمين. وما في التلخيص وشروحه من أن السؤال بـ " أي " في الآية التي نحن بصددها سؤال بها عما يميز أحد المشتركين في أمر يعمُّهما كالعادة في أي غلط منهم. لأنهم فسروا الآية الكريمة بغير معناها الصحيح. والصواب ما ذكرناه إن شاء الله تعالى. واستدلالهم هذا بحظهم في الحياة الدنيا على حظهم يوم القيامة، وأن الله ما أعطاهم في الدنيا إلا لمكانتهم عنده، واستحقاقهم لذلك لسخافة عقولهم - ذكره الله تعالى في مواضع من كتابه.

السابقالتالي
2 3 4