الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } * { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً }

أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة - أن يذكر في الكتاب وهو هذا القرآن العظيم جده إسماعيل، وأثنى عليه أعني إسماعيل بأنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً. ومما يبين من القرآن شدة صدقه في وعده أنه وعد أباه بصبره له على ذبحه ثم وفى بهذا الوعد. ومن وفى بوعده في تسليم نفسه للذبح فإن ذلك من أعظم الأدلة على عظيم صدقه في وعده. قال تعالىفَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ } الصافات 102 فهذا وعده. وقد بين تعالى وفاءه به في قولهفَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } الصافات 103 الآية. والتحقيق أن الذبيح هو إسماعيل. وقد دلت على ذلك آيتان من كتاب الله تعالى دلالة واضحة لا لبس فيها. وسنوضح ذلك إن شاء الله غاية الإيضاح في سورة " الصافات ". وثناؤه جل وعلا في هذه الآية الكريمة على نبيه إسماعيل بصدق الوعد يفهم من دليل خطابه - أعني مفهوم مخالفته - أن إخلاف الوعد مذموم. وهذا المفهوم قد جاء مبيناً في مواضع أخر من كتاب الله تعالى. كقوله تعالىفَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَآ أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } التوبة 77 وقولهيٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } الصف 2-3 إلى غير ذلك من الآيات. وفي الحديث " آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان ". وقوله تعالى في هذه الآية { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ }. قد بين في مواضع أخر - أن نبينا صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك الذي أثنى الله به على جده إسماعيل، كقوله تعالىوَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا } طه 132.. الآية. ومعلوم أنه امتثل هذا الأمر. وكقولهيٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } التحريم 6 الآية. ويدخل في ذلك أمرهم أهليهم بالصلاة والزكاة. إلى غير ذلك من الآيات. مسألة اختلف العلماء في لزوم الوفاء بالعهد. فقال بعضهم يلزم الوفاء به مطلقاً. وقال بعضهم لا يلزم مطلقا. وقال بعضهم إن أدخله بالوعد في ورطة لزم الوفاء به، وإلا فلا. ومثاله - ما لو قال له تزوج. فقال له ليس عندي ما أصدق به الزوجة. فقال تزوج والتزم لها الصداق وأنا أدفعه عنك، فتزوج على هذا الأساس، فإنه قد أدخله بوعده في ورطة التزام الصداق. واحتج من قال يلزمه بأدلة منها آيات من كتاب الله دلت بظواهر عمومها على ذلك وبأحاديث.

السابقالتالي
2 3 4 5