اعلم أولاً أن لفظ " ما كان " يدل على النفي، فتارة يدل ذلك النفي من جهة المعنى على الزجر والردع، كقوله تعالى{ مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ } التوبة 120 الآية. وتارة يدل على التعجيز، كقوله تعالى{ ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا } النمل 59-60 الآية. وتارة يدل على التنزيه، كقوله هنا { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ } وقد أعقبه بقوله { سُبْحَانَهُ } أي تنزيهاً له عن اتخاذ الولد وكل ما لا يليق بكماله وجلاله. فقوله { مَا كَانَ للَّهِ } بمعنى ما يصح ولا يتأتى ولا يتصور في حقه جل وعلا أن يتخذ ولداً، سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً. والآية كقوله تعالى{ وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } مريم 92. وفي هذه الآية الرد البالغ على النصارى الذين زعموا المحال في قولهم " عيسى ابن الله " وما نزه عنه جل وعلا نفسه هنا من الولد المزعوم كذباً كعيسى - نزه عنه نفسه في مواضع أخر، كقوله تعالى{ إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ } النساء 171 إلى قوله{ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ } النساء 171 الآية. والآيات الدالة على مثل ذلك كثيرة، كقوله تعالى{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ ٱلسَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً } مريم 88-91 إلى غير ذلك من الآيات كما تقدم مستوفى في سورة " الكهف ". وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { إِذَا قَضَىٰ أَمْراً } أي أراد قضاءه، بدليل قوله{ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } النحل 40، وقوله تعالى{ إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } يس 82 وحذف فعل الإرادة لدلالة المقام عليه كثير في القرآن وفي كلام العرب، ومن أمثلته في القرآن قوله تعالى{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ } المائدة 6 الآية، أي إذا أردتم القيام إليها، وقوله تعالى{ فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ } النحل 98 أي إذا أردت قراءة القرآن، كما تقدم مستوفى. وقوله تعالى في الآية التي نحن بصددها { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ } زيدت فيه لفظة " من " قبل المفعول به لتأكيد العموم. وقد تقرر في الأصول أن النكرة في سياق النفي إذا زيدت قبلها لفظة " من " لتوكيد العموم كانت نصاً صريحاً في العموم، وتطرد زيادتها للتوكيد المذكور قبل النكرة في سياق النفي في ثلاثة مواضع قبل الفاعل كقوله تعالى{ مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ } القصص46، وقبل المفعول كهذه الآية، وكقوله{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ } الأنبياء25 الآية وقبل المبتدأ كقوله{ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } الأعراف59.