الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً } * { وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً } * { وَبَرّاً بِوَٰلِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً } * { وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً }

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن أول كلمة نطق لهم بها عيسى وهو صبي في مهده أنه عبد الله، وفي ذلك أعظم زجر للنصارى عن دعواهم أنه الله، أو ابنه أو إله معه! وهذه الكلمة التي نطق بها عيسى في أول خطابه لهم ذكرها الله جل وعلا عنه في مواضع أخر. كقوله تعالىوَقَالَ ٱلْمَسِيحُ يَابَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ } المائدة 72 وقوله في " آل عمران "إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } آل عمران 51، وقوله في " الزخرف "فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } الزخرف 63-64، وقوله هنا في سورة " مريم "وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } مريم 36، وقولهمَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ } المائدة 117. الآية. إلى غير ذلك من الآيات. وقوله في هذه الآية الكريمة { آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً } التحقيق فيه إن شاء الله أنه عبر بالماضي عما سيقع في المستقبل تنزيلاً لتحقق الوقوع منزلة الوقوع. ونظائره في القرآن كثيرة. كقوله تعالىأَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } النحل 1، وقوله تعالىوَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ وَجِـيءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ } إلى قوله.وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ } الزمر 68-71. وقوله تعالىوَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ } الزمر 73. فهذه الأفعال الماضية المذكورة في الآيات بمعنى المستقبل. تنزيلاً لتحقق وقوعه منزلة الوقوع بالفعل، ونظائرها كثيرة في القرآن. وهذا الذي ذكرنا - من أن الأفعال الماضية في قوله تعالى { آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ } الخ بمعنى المستقبل هو الصواب إن شاء الله. خلافاً لمن زعم أنه نبي وأوتي الكتاب في حال صباه لظاهر اللفظ. وقوله { وجعلني مباركاً } أي كثير البركات. لأنه يعلم الخير ويدعو إلى الله، ويبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله. وقال الزمخشري في تفسير هذه الآية { مباركاً أين ما كنت } عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفاعاً حيث كنت. وقال ابن حجر في الكافي الشاف أخرجه أبو نعيم في الحلية في ترجمة يونس بن عبيد عن الحسن عن أبي هريرة بهذا وأتم. وقال تفرد به هشيم عن يونس، وعنه شعيب بن محمد الكوفي، ورواه ابن مردويه من هذا الوجه اهـ. وقوله في هذه الآية الكريمة { وبراً بوالدتي } قال الحوفي وأبو البقاء هو معطوف على قولهوَجَعَلَنِي مُبَارَكاً } مريم31. وقال أبو حيان في البحر وفيه بعد للفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالجملة التي هي " أوصاني " ومتعلقها.

السابقالتالي
2