الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُواْ يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } * { يٰأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً }

لما اطمأنت مريم بسبب ما رأت من الآيات الخارقة للعادة التي تقدم ذكرها آنفاً - أتت به أي بعيسى قومها تحمله غير محتشمة ولا مكترثة بما يقولون، فقالوا لها { يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً }! قال مجاهد وقتادة وغير واحد " فرياً " أي عظيماً. وقال سعيد بن مسعدة " فرياً " أي مختلفاً مفتعلاً. وقال أبو عبيدة والأخفش " فريا " أي عجيباً نادراً. قال مقيدة عفا الله عنه وغفر له الذي يفهم من الآيات القرآنية أن مرادهم بقولهم { لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } أي منكراً عظيماً، لأن الفري فعيل من الفرية، يعنون به الزنى، لأن ولد الزنى كالشيء المفترى المختلق، لأن الزانية تدعي إلحاقه بمن ليس أباه. ويدل على أن مرادهم بقولهم " فريا " الزنى قوله تعالىوَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } النساء 156 لأن ذلك البهتان العظيم الذي هو ادعاؤهم أنها زنت، وجاءت بعيسى من ذلك الزنى حاشاها وحاشاه من ذلك هو المراد بقولهم لها { لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } ويدل لذلك قوله تعالى بعده { يٰأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } والبغي الزانية كما تقدم. يعنون كان أبواك عفيفين لا يفعلان الفاحشة، فمالك أنت ترتكبينها!! ومما يدل على أن ولد الزنى كالشيء المفترى قوله تعالىوَلاَ يَأْتِينَ بِبُهُتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } الممتحنة 12 قال بعض العلماء معنى قوله تعالى { يَأْتِينَ بِبُهُتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } أي ولا يأتين بولد زنى يقصدن إلحاقه برجل ليس أباه، هذا هو الظاهر الذي دل عليه القرآن في معنى الآية. وكل عمل أجاده عامله فقد فراه لغة، ومنه قول الراجز وهو زرارة بن صعب بن دهر
قد أطعمتني دقلا حوليا مسوساً مدوداً حجريا قد كنت تفرين به الفريا   
يعنى تعملين به العمل العظيم. والظاهر أنه يقصد أنها تأكله أكلاً لما عظيماً. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { يٰأُخْتَ هَارُونَ } ليس المراد به هارون بن عمران أخا موسى كما يظنه بعض الجهلة. وإنما هو رجل آخر صالح من بني إسرائيل يسمى هارون. والدليل على أنه ليس هارون أخا موسى ما رواه مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه حدثنا أبو بكر بن شيبة، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وأبو سعيد الأشج، ومحمد بن المثنى العنزي. واللفظ لابن نمير قالوا حدثنا ابن إدريس عن أبيه، عن سماك بن حرب، عن علقمة بن وائل، عن المغيرة بن شعبة قال لما قدمت نجران سألوني فقالوا إنكم تقرؤون { يٰأُخْتَ هَارُونَ } وموسى قبل عيسى بكذا وكذا. فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك فقال

السابقالتالي
2