الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً }

اعلم أولاً أن في هذا الحرف قراءتين سبعيتين قرأه نافع وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي { فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ } بكسر الميم على أن " من " حرف جر، وخفض تاء تحتها، لأن الظرف مجرور بـ " من ". وقرأه ابن كثير وأبو عمر، وابن عامر وشعبة عن عاصم، " فنادها من تحتها " بفتح ميم " من " على أنه اسم موصول هو فاعل نادى، أن ناداها الذي تحتها. وفتح أي " تحتها " فعلى القراءة الأولى ففاعل النداء ضمير محذوف. وعلى الثانية فالفاعل الاسم الموصول الذي هو " من ". وإذا عرفت هذا فاعلم أن العلماء مختلفون في هذا المنادى الذي ناداها المعبر عنه في إحدى القراءتين بالضمير، وفي الثانية بالاسم الموصول من هو؟ فقال بعض العلماء هو عيسى. وقال بعض العلماء هو جبريل. وممن قال إن الذي نادى مريم هو جبريل - ابن عباس، وعمرو بن ميمون الأودي، والضحاك، وقتادة، والسدي، وسعيد بن جبير في إحدى الروايتين عنه. وأهل هذا القول قالوا لم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها. وممن قال إن الذي نادها هو عيسى عندما وضعته - أبي، ومجاهد، والحسن، ووهب بن منبه، وسعيد بن جبير في الرواية الأخرى عنه وابن زيد. فإذا علمت ذلك فاعلم أن من قال إنه الملك يقول فناداها جبريل من مكان تحتها، لأنها على ربوة مرتفعة، وقد ناداها من مكان منخفض عنها، وبعض أهل هذا القول يقول كان جبريل تحتها يقبل الولد كما تقبله القابلة. والظاهر الأول على هذا القول. وعلى قراءة " فناداها من تحتها " بفتح الميم وتاء " تحتها " عند أهل هذا القول. فالمعنى فنادها الذي هو تحتها أي في مكان أسفل من مكانها، أو تحتها يقبل الولد كما تقبل القابلة مع ضعف الاحتمال الأخير كما قدمنا، أي وهو جبريل فعلى القراءة الأولى على القول " فناداها " هو أي جبريل من تحتها. وعلى القراءة الثانية " فنادها من تحتها " أي الذي تحتها وهو جبريل. وأما على القول بأن المنادى هو عيسى، فالمعنى على القراءة الأولى فناداها هو أي المولود الذي وضعته من تحتها. لأنه كان تحتها عند الوضع. على القراءة الثانية " فناداها من تحتها " أي الذي تحتها وهو المولود المذكور الكائن تحتها عند الوضع. وممن اختار أن الذي ناداها هو عيسى ابن جرير الطبري في تفسيره، واستظهره أبو حيان في البحر، واستظهر القرطبي أنه جبريل. قال مقيدة عفا الله عنه وغفر له أظهر القولين عندي أن الذي ناداها هو ابنها عيسى، وتدل على ذلك قرينتان الأولى - أن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور إلا بدليل صارف عن ذلك يجب الرجوع إليه، وأقرب مذكور في الآية هو عيسى لا جبريل.

السابقالتالي
2 3