الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ ٱجْعَل لِيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً }

المراد بالآية هنا العلامة، أي اجعل لي علامة أعلم بها وقوع ما بشرت به من الولد. قال بعض أهل العلم طلب الآية على ذلك لتتم طمأنينته بوقوع ما بشر به. ونظيره على هذا القول قوله تعالى عن إبراهيمقَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } البقرة 260. وقيلأراد بالعلامة أن يعرف ابتداء حمل امرأته، لأن الحمل في أول زمنه يخفى. وقوله في هذه الآية الكريمة { آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً } أي علامتك على وقوع ذلك ألا تكلم الناس، أي أن تمنع الكلام فلا تطيقه ثلاث ليال بأيامهن في حال كونك سوياً، أي سوى الخلق، سليم الجوارح، ما بك خرس ولا بكم ولكنك ممنوع من الكلام على سبيل خرق العادة، كما قدمنا في " آل عمران ". أما ذكر الله فليس ممنوعاً منه بدليل قوله في " آل عمران "وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ } آل عمران 41. وقول من قال إن معنى قوله تعالى. { ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً } أي ثلاث ليال متتابعات - غير صواب، بل معناه هو ما قدمنا من كون اعتقال لسانه عن كلام قومه ليس لعلة ولا مرض حدث به. ولكن بقدرة الله تعالى وقد قال تعالى هنا { ثلاث ليال } ولم يذكر معها أيامها، ولكنه ذكر الأيام في " آل عمران " ، في قولهقَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ } آل عمران 41 الآية. فدلت الآيتان على أنها ثلاث ليالي بأيامهن. وقوله تعالى في هذه الآية { أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ } يعني إلا بالإشارة أو الكتابة، كما دل عليه قوله هنافَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً } مريم 11، وقوله في " آل عمران "قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً } آل عمران 41 الآية. لأن الرمز الإشارة والإيماء بالشفتين والحاجب. والإيحاء في قوله { فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ } الآية، قال بعض العلماء هو الإشارة وهو الأظهر بدليل قوله " إلا رمزاً " كما تقدم آنفاً. وممن قال بأن الوحي في الآية الإشارة قتادة، والكلبي، وابن منبه، والعتبي، كما نقله عنهم القرطبي وغيره. وعن مجاهد، والسدي " فأوحى إليهم " أي كتب لهم في الأرض. وعن عكرمة كتب لهم في كتاب. والوحي في لغة العرب يطلق على كل إلقاء في سرعة وخفاء. ولذلك أطلق على الإلهام، كما في قوله تعالىوَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ } النحل 68 الآية. وعلى الإشارة كما هو الظاهر في قوله تعالى { فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ } الآية. ويطلق على الكتابة كما هو القول الآخر في هذه الآية الكريمة. وإطلاق الوحي على الكتابة مشهور في كلام العرب، ومنه قول لبيد بن ربيعة في معلقته
فمدافع الريان عرى رسمها خلقا كما ضمن الوحي سلامها   
فقوله " الوحي " بضم الواو وكسر الحاء وتشديد الياء، جمع وحي بمعنى الكتابة. وقول عنترة
كوحي صحائف من عهد كسرى فأهداها لأعجم طمطمي   
وقول ذي الرمة
سوى الأربع الدهم اللواتي كأنها بقية بطوحي في ون الصحائف   
وقول جرير
كأن أخا الكتاب يخط وحيا بكاف في منازلها ولام