الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ كۤهيعۤصۤ } * { ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } * { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً } * { قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً }

قد قدمنا الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور. كقوله هنا { كۤهيعۤصۤ } في سورة " هود " فأغنى عن إعادته هنا. وقوله { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ } خبر مبتدأ محذوف. أي هذا ذكر رحمة ربك. وقيل مبتدأ خبره محذوف، وتقديره فيما يتلى عليكم ذكر رحمة ربك، والأول أظهر. والقول بأنه خبر عن قوله " كهيعص " ظاهر السقوط لعدم ربط بينهما. وقوله { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ } لفظة " ذكر " مصدر مضاف إلى مفعوله. ولفظة " رحمة " مصدر مضاف إلى فَاعله وهو " ربك ". وقوله { عبده } مفعول به للمصدر الذي هو " رحمة " المضاف إلى فاعله، على حد قوله في الخلاصة
وبعد جره الذي أضيف له كمل بنصب أو برفع علمه   
وقوله " زكريا " بدل من قوله " عبده " أو عطف بيان عليه. وقد بين جل وعلا في هذه الآية أن هذا الذي يتلى في أول هذه السورة الكريمة هو ذكر الله رحمته التي رحم بها عبده زكريا حين ناداه نداء خفياً أي دعاه في سر وخفية. وثناؤه جل وعلا عليه يكون دعائه خفياً يدل على أن إخفاء الدعاء أفضل من إظهاره وإعلانه. وهذا المعنى المفهوم من هذه الآية جاء مصرحاً به في قوله تعالىقُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } الأنعام 63 الآية، وقوله تعالىٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } الأعراف 55. وإنما كان الإخفاء أفضل من الإظهار لأنه أقرب إلى الإخلاص، وأبعد من الرياء. فقول من قال إن سبب إخفائه دعاءه أنه خوفه من قومه أن يلوموه على طلب الولد، في حالة لا يمكن فيها الولد عادة لكبر سنه وسن امرأته، وكونها عاقراً. وقول من قال إنه أخفاه لأنه طلب أمر دنيوي، فإن أجاب الله دعاءه فيه نال ما كان يريد. وإن لم يجبه لم يعلم ذلك أحد، إلى غير ذلك من الأقوال، كل ذلك ليس بالأظهر. والأظهر أن السر في إخفائه هو ما ذكرنا من كون الإخفاء أفضل من الإعلان في الدعاء. ودعاء زكريا هذا لم يبين الله في هذا الموضع مكانه ولا وقته، ولكنه أشار إلى ذلك في سورة " آل عمران " في قولهكُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إنًّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } آل عمران 37-38 الآية. فقوله " هنالك " أي في ذلك المكان الذي وجد فيه ذلك الرزق عند مريم. وقال بعضهم " هنالك " أي في ذلك الوقت، بناء على أن هنا ربما أشير بها إلى الزمان.

السابقالتالي
2