الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً } * { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً }

اعلم أولاً - أنا قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أنه إن كان لبعض الآيات بيان من القرآن لا يفي بإيضاح المقصود وقد بينه النَّبي صلى الله عليه وسلم فإنا نتمم بيانه بذكر السنة المبينه له. وقد قدمنا أمثلة متعددة لذلك. فإذا علمت ذلك فاعلم - أن هاتين الآيتين الكريمتين لهما بيان من كتاب أوضحته السنة، فصار بضميمة السنة إلى القرآن بياناً وافياً بالمقصود، والله جل وعلا قال في كتابه لنبيه صلى الله عليه وسلموَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } النحل 44 فإذا علمت ذلك فاعلم أن هذه الآية الكريمة، وآية الأنبياء قد دلتا في الجملة على أن السد الذي بناه ذو القرنين دون يأجوج ومأجوج إنما يجعله الله دكا عند مجيء الوقت الموعود بذلك فيه. وقد دلتا على أنه بقرب يوم القيامة، لأنه قال هنا { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } الآية. وأظهر الأقوال في الجملة المقدرة التي عوض عنها تنوين " يومئذ " من قوله { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } أنه يوم إذ جاء وعد ربي بخروجهم وانتشارهم في الأرض. ولا ينبغي العدول عن هذا القول لموافقته لظاهر سياق القرآن العظيم. وإذا تقرر أن معنى " يومئذ " يوم إذ جاء الوعد بخروجهم وانتشارهم - فاعلم أن الضمير في قوله { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ } على القول بأنه لجميع بني آدم فالمراد يوم القيامة. وإذاً فقد دلت الآية على اقترانه بالخروج إذا دك السد، وقربه منه. وعلى القول بأن الضمير راجع إلى يأجوج ومأجوج. فقوله بعده { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } يدل في الجملة على أنه قريب منه. قال الزمخشري في تفسير هذه الآية " قال هذا رحمة من ربي " هو إشارة إلى السد. أي هذا السد نعمة من الله ورحمة على عباده. أو هذا الإقدار والتمكين من تسويته { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي } يعني فإذا دنا مجيء يوم القيامة، وشارف أن يأتي جعل السد دكا. أي مدكوكاً مبسوطاً مسوى بالأرض. وكل ما انبسط من بعد ارتفاع فقد اندك. ومنه الجمل الأدك المنبسط السنام اهـ. وآية الأنبياء المشار إليها هي قوله تعالىحَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } الأنبياء 96-97 الآية. لأن قوله { حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ } وإتباعه لذلك بقوله { وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يدل في الجملة على ما ذكرنا في تفسير آية الكهف التي نحن بصددها. وذلك يدل على بطلان قول من قال إنهم روسية، وأن السد فتح منذ زمان طويل.

السابقالتالي
2 3 4 5