الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً }

{ أَمْ } في هذه الآية الكريمة هي المنقطعة عن التحقيق، ومعناها عند الجمهور " بل والهمزة " وعند بعض العلماء بمعنى " بل " فقط، فعلى القول الأول فالمعنى بل أحسبت، وعلى الثاني - فالمعنى بل حسبت، فهي على القول الأول جامعة بين الإضراب والإنكار. وعلى الثاني - فهي للإضراب الانتقالي فقط. وأظهر الأقوال في معنى الآية الكريمة أن الله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم إن قصة أصحاب الكهف وإن استعظمها الناس وعجبوا منها، فليست شيئاً عجباً بالنسبة إلى قدرتنا وعظيم صنعنا فإن خلقنا للسموات الأرض وجعلنا ما على الأرض زينة لها، وجعلنا إياها بعد ذلك صعيداً جرزاً - أعظم وأعجب مما فعلنا بأصحاب الكهف، ومن كوننا أنمناهم هذا الزمن الطويل، ثم بعثناهم، ويدل لهذا الذي ذكرنا آيات كثيرة منها - أنه قالإِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَاً } الكهف 7 إلى قوله -صَعِيداً جُرُزا } الكهف 8، ثم اتبع ذلك بقوله { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ } الآية، فدل ذلك على أن المراد أن قصتهم لا عجب فيها بالنسبة إلى ما خلقنا مما هو أعظم منها. ومنها - أنه يكثر في القرآن العظيم تنبيه الناس على أن خلق السموات والأرض أعظم من خلق الناس، ومن خلق الأعظم فهو قادر على الأصغر بلا شك، كقوله تعالىلَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } غافر 57 الآية، وكقولهأَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا } النازعات 27 إلى قولهمَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } النازعات 33 كما قدمناه مستوفى في سورة " البقرة والنحل ". ومن خلق هذه المخلوقات العظام كالسماء والأرض وما فيهما فلا عجب في إقامته أهل الكهف هذه المدة الطويلة، ثم بعثه إياهم، كما هو واضح. والكهف النقب المتسع في الجبل، فإن لم يك واسعاً فهو غار. وقيل كل غار في جبل كهف. وما يروى عن أنس من أن الكهف نفس الجبل غريب، غير معروف في اللغة. واختلف العلماء في المراد بـ { الرقيم } في هذه الآية على أقوال كثيرة، قيل الرقيم اسم كلبهم، و هو اعتقاد أمية بن أبي الصلت حيث يقول
وليس بها إلا الرقيم مجاوراً وصيدهم والقوم في الكهف همد   
وعن الضحاك - أن الرقيم بلدة بالروم، وقيل اسم الجبل الذي فيه الكهف. وقيل اسم للوادي الذي فيه الكهف. والأقوال فيه كثيرة. وعن ابن عباس أنه قال لا أدري ما الرقيم؟ أكتاب أم بنيان؟. وأظهر الأقوال عندي بحسب اللغة العربية وبعض آيات القرآن أن الرقيم معناه المرقوم، فهو فعيل بمعنى مفعول، من رقمت الكتاب إذا كتبته، ومنه قوله تعالىكِتَابٌ مَّرْقُومٌ } المطففين 9 الآية. سواء قلنا إن الرقيم كتاب كان عندهم فيه شرعهم الذي تمسكوا به، أو لوح من ذهب كتبت فيه أسماؤهم وأنسابهم وقصتهم وسبب خروجهم، أو صخرة نقشت فيها أسماؤهم.

السابقالتالي
2