الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً }

قوله تعالى { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا } الآية. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن موسى وفتاه نصبا حوتهما لما بلغ مجمع البحرين، ولكنه تعالى أوضح أن النسيان واقع من فتى موسى، لأنه هو الذي كان تحت يده الحوت، وهو الذي نسيه. وإنما أسند النسيان إليهما، لأن إطلاق المجموع مراداً بعضه - أسلوب عربي كثير في القرآن وفي كلام العرب. وقد أوضحنا أن من أظهر أدلته قراءة حمزة والكسائيفَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ } البقرة 191 من القتل في الفعلين لا من القتال، أي فإن قتلوا بعضكم فليقتلهم بعضكم الآخر. والدليل على أن النسيان إنما وقع من فتى موسى دون موسى قوله تعالى عنهمافَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ } الكهف 62-63 الآية، لأن قول موسى " آتنا غداءنا " يعني به الحوت - فهو يظن أن فتاه لم ينسه، كما قاله غير واحد. وقد صرح فتاه بأنه نسيه بقوله { فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ } الآية. وقوله في هذه الآية الكريمة { وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ } دليل على أن النسيان من الشيطان كما دلت عليه آيات أخر. كقوله تعالىوَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } الأنعام 68 وقوله تعالىٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ } المجادلة 19 الآية. وفتى موسى هو يوشع بن نون. والضمير في قوله تعالى { مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا } عائد إلى " البحرين " المذكورين في قوله تعالىلاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ } الكهف 60 الآية. والمجمَع اسم مكان على القياس، أي مكان اجتماعهما. والعلماء مختلفون في تعيين " البحرين " المذكورين. فذهب أكثرهم إلى أنهما بحر فارس مما يلي المشرق، وبحر الروم مما يلي المغرب. وقال محمد بن كعب القرظي " مجمع البحرين " عند طنجة في أقصى بلاد المغرب وروى ابن أبي حاتم من طريق السدى قال هما الكر والرأس حيث يصبان في البحر. وقال ابن عطية " مجمع البحرين " ذراع في أرض فارس من جهة أذربيجان، يخرج من البحر المحيط من شماله إلى جنوبه، وطرفيه مما يلي بر الشام. وقيل هما بحر الأردن والقلزم. وعن ابن المبارك قال قال بعضهم بحر أرمينية. وعن أبي بن كعب قال بإفريقية. إلى غير ذلك من الأقوال. ومعلوم أن تعيين " البحرين " من النوع الذي قدمنا أنه لا دليل عليه من كتاب ولا سنة، وليس في معرفته فائدة، فالبحث عنه تعب لا طائل تحته، وليس عليه دليل يجب الرجوع إليه.

السابقالتالي
2