الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلْبَٰطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ وَٱتَّخَذُوۤاْ ءَايَٰتِي وَمَآ أُنْذِرُواْ هُزُواً }

قوله تعالى { وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } الآية. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه ما يرسل الرسل إلا مبشرين من أطاعهم بالجنة، ومنذرين من عصاهم بالنار. وكرر هذا المعنى في مواضع أخر، كقولهوَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } الأنعام 84. وقد أوضحنا معنى البشارة والإنذار في أول هذه السورة الكريمة في الكلام على قوله تعالىلِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ } الكهف 2 الآية، وانتصاب قوله " مبشرين " على الحال، أي ما نرسلهم إلا في حال كونهم مبشرين ومنذرين. قوله تعالى { وَيُجَادِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } الآية. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الذين كفروا يجادلون بالباطل، أي يخاصمون الرسول بالباطل، كقولهم في الرسول ساحر، شاعر، كاهن. وكقولهم في القرآن أساطير الأولين، سحر، شعر، كهانة. وكسؤالهم عن أصحاب الكهف، وذي القرنين. وسؤالهم عن الروح عناداً وتعنتاً، ليبطلوا الحق بجدالهم وخصامهم بالباطل، فالجدال المخاصمة. ومفعول " يجادل " محذوف دل ما قبله عليه، لأن قوله { وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ } الكهف 56 يدل على أن الذين يجادلهم الكفار بالباطل هم المرسلون المذكورون آنفاً، وحذف الفضلة إذا دل المقام عليها جائز، وواقع كثيراً في القرآن وفي كلام العرب كما عقده في الخلاصة بقوله
وحذف فضلة أجز إن لم يضر كحذف ما سيق جواباً أو حصر   
والباطل ضد الحق وكل شيء زائل مضمحل تسميه العرب باطلاً، ومنه قول لبيد
ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل   
ويجمع الباطل كثيراً على أباطيل على غير القياس، فيدخل في قول ابن مالك في الخلاصة
وحائد عن القياس كل ما خالف في البابين حكماً رسما   
ومنه قول كعب بن زهير
كانت مواعيد عرقوب لها مثلاً وما مواعيده إلاالأباطيل   
ويجمع أيضاً على البواطل قياساً. والحق ضد الباطل. وكل شيء ثابت غير زائل ولا مضمحل تسميه العرب حقاً. وقوله تعالى { لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } الكهف 56 أي ليبطلوه ويزيلوه به وأصله من إدحاض القدم، وهو إزلاقها وإزالتها عن موضعها. تقول العرب، دحضت رجله إذا زلقت، وأدحضها الله، أزلقها ودحضت حجته إذا بطلت، وأدحضها الله أبطلها، والمكان الدحض هو الذي تزل فيه الأقدام؟ ومنه قول طرفة
أبا منذر رمت الوفاء فهبته وحدت كما حاد البعير عن الدحض   
وهذا الذي ذكره هنا من مجادلة الكفار للرسل بالباطل أوضحه في مواضع أخر كقولهوَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ٱسَتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ } الشورى 16 الآية. وقوله جل وعلايُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ }

السابقالتالي
2