الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً }

قدمنا في سورة " البقرة " أن قوله تعالىٱسْجُدُواْ لأَدَمَ } البقرة 34 محتمل لأن يكون أمرهم بذلك قبل وجود آدم أمراً معلقاً على وجوده. ومحتمل لأنه أمرهم بذلك تنجيزاً بعد وجود آدم. وأنه جل وعلا بين في سورة " الحجر " وسورة " ص " أن أصل الأمر بالسجود متقدم على خلق آدم معلق عليه. قال في " الحجر "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلآئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } الحجر 28-29 وقال في " ص "إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } ص 71-72 ولا ينافي هذا أنه بعد وجود آدم جدَّدَ لهم الأمر بالسجود له تنجيزاً. وقوله في هذه الآية الكريمة { فسجدوا } محتمل لأن يكونوا سجدوا كلهم أو بعضهم، ولكنه بين في مواضع أخر أنهم سجدوا كلهم، كقولهفَسَجَدَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } الحجر 30 ونحوها من الآيات. وقوله في هذه الآية الكريمة، { كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } ظاهر في أن سبب فسقه عن أمر ربه كونه من الجن. وقد تقرر في الأصول في " مسلك النص " وفي " مسلك الإيماء والتنبيه " أن الفاء من الحروف الدالة على التعليل، كقولهم سرق فقطعت يده، أي لأجل سرقته. وسها فسجد، أي لأجل سهوه، ومن هذا القبيل قوله تعالىوَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا } المائدة 38 أي لعلة سرقتهما. وكذلك قوله هنا { كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ } أي لعلة كينونته من الجن، لأن هذا الوصف فرق بينه وبين الملائكة، لأنهم امتثلوا الأمر وعصا هو. ولأجل ظاهر هذه الآية الكريمة ذهبت جماعة من العلماء إلى أن إبليس ليس من الملائكة في الأصل بل من الجن، وأنه كان يتعبد معهم، فأطلق عليهم اسمهم لأنه تبع لهم، كالحليف في القبيلة يطلق عليه اسمها. والخلاف في إبليس هل هو ملك في الأصل وقد مسخه الله شيطاناً، أو ليس في الأصل بملك، وإنما شمله لفظ الملائكة لدخوله فيهم وتعبده معهم - مشهور عند أهل العلم. وحجة من قال إن أصله ليس من الملائكة أمران أحدهما - عصمة الملائكة من ارتكاب الكفر الذي ارتكبه إبليس. كما قال تعالى عنهملاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } التحريم 6، وقال تعالىلاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } الأنبياء 27. والثاني-أن الله صرح في هذه الآية الكريمة بأنه من الجن، والجن غير الملائكة. قالوا وهو نص قرآني في محل النزاع. واحتج من قال إنه ملك في الأصل بما تكرر في الآيات القرآنيه من قوله

السابقالتالي
2 3 4