الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً }

قوله تعالى { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَا لِهَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا }. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الكتاب يوضع يوم القيامة. والمراد بالكتاب جنس الكتاب. فيشمل جميع الصحف التي كتبت فيها أعمال المكلفين في دار الدنيا. وأن المجرمين يشفقون مما فيه. أي يخافون منه، وأنهم يقولون { يٰوَيْلَتَنَا مَا لِهَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ }. أي لا يترك { صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً } من المعاصي التي عملنا { إِلاَّ أَحْصَاهَا } أي ضبطها وحصرها. وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء موضحاً في مواضع أخر. كقولهوَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً ٱقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } الإسراء 13-14 وبين أن بعضهم يؤتى كتابه بيمينه. وبعضهم يؤتاه بشماله. وبعضهم يؤتاه وراء ظهره. قالوَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ } الحاقة 25 الآية، وقال تعالىفَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً وَيَصْلَىٰ سَعِيراً } الانشقاق 7-12 وقد قدمنا هذا في سورة " بني إسرائيل ". وما ذكره من وضع الكتاب هنا ذكره في " الزمر " في قولهوَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ وَجِـيءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِٱلْحَقِّ } الزمر 69 الآية. وقوله في هذه الآية الكريمة { فترى المجرمين } تقدم معنى مثله في الكلام على قولهوَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت } الكهف 17 الآية. والمجرمون جمع المجرم، وهم اسم فاعل الإجرام. والإجرام ارتكاب الجريمة، وهي الذنب العظيم الذي يستحق صاحبه عليه النكال. ومعنى كونهم " مشفقين مما فيه " أنهم خائفون مما في ذلك الكتاب من كشف أعمالهم السيئة، وفضيحتهم على رؤوس الأشهاد، وما يترتب على ذلك العذاب السرمدي. وقولهم { يٰوَيْلَتَنَا } الويلة الهلكة، وقد نادوا هلكتهم التي هلكوها خاصة من بين الهلكات فقالوا يا ويلتنا! أي يا هلكتنا احضري فهذا أوان حضورك! وقال أبو حيان في البحر المراد من بحضرتهم كأنهم قالوا يا من بحضرتنا انظروا هلكتنا. وكذا ما جاء من نداء ما لا يعقل كقولهيٰأَسَفَا عَلَى يُوسُفَ } يوسف 84،يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ } الزمر 56،يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } يس 52، وقوله يا عجباً لهذه الفليقة، فيا عجباً من رحلها المتحمل، إنما يراد به تنبيه من يعقل بالتعجب مما حل بالمنادى انتهى كلام أبي حيان. وحاصل ما ذكره أن أداة النداء في قوله " يا ويلتنا " ينادى بها محذوف، وأن ما بعدها مفعول فعل محذوف، والتقدير كما ذكره يا من بحضرتنا انظروا هلكتنا.

السابقالتالي
2