الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفَّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً }

قوله تعالى { وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفَّاً }. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة - أن الخلائق يوم القيامة يعرضون على ربهم صفاً، أي في حال كونهم مصطفين. قال بعض العلماء صفاً بعد صف. وقال بعضهم صفاً واحداً وقال بعض العلماء " صفاً " أي جميعاً، كقولهثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً } طه 64 على القول فيه بذلك. وقال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة وخرج الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن منده في كتاب التوحيد عن معاذ بن جبل - أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله تبارك وتعالى ينادي يوم القيامة بصوت رفيع غير فظيع يا عبادي، أن الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين. يا عبادي، لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون أحضروا حجتكم ويسروا جواباً فإنكم مسؤولون محاسبون. يا ملائكتي، أقيموا عبادي صفوفاً على أطراف أنامل أقدامهم للحساب " قلت هذا الحديث غاية في البيان في تفسير الآية. ولم يذكره كثير من المفسرين، وقد كتبناه في كتاب التذكرة ومنه نقلناه، والحمد لله. انتهى كلام القرطبي. والحديث المذكور يدل على أن " صفا " في هذه الآية يراد به صفوفاً. كقوله في الملائكة { وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } الفجر 22. ونظير الآية قوله في الملائكةيَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً } النبأ 38. فإذا علمت أن الله جل وعلا ذكر في هذه الآية الكريمة حالاً من أحوال عرض الخلائق عليه يوم القيامة - فاعلم أنه بين في مواضع أخر أشياء أخر من أحوال عرضهم عليه. كقولهيَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ } الحاقة 18. وبين في مواضع أخر ما يلاقيه الكفار، وما يقال لهم عند ذلك العرض على ربهم. كقولهوَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أُوْلَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } هود 18-19. وقوله في هذه الآية الكريمة { صفاً } أصله مصدر، والمصدر المنكر قد يكون حالاً على حد قوله في الخلاصة
ومصدر منكر حالاً يقع بكثرة كبغتة زيد طلع   
قوله تعالى { لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } الآية. هذا الكلام مقول قول محذوف. وحذف القول مطرد في اللغة العربية، كثير جداً في القرآن الكريم العظيم. والمعنى يقال لهم يوم القيامة لقد جئتمونا، أي والله لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة، أي حفاة عراة غرلاً، أي غير مختونين، كل واحد منكم فرد لا مال معه ولا ولد، ولا خدم ولا حشم.

السابقالتالي
2 3