الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً }

قوله " ويوم " منصوب باذكر مقدراً. أو بفعل القول المحذوف قبل قولهوَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ } الأنعام 94 أي قلنا لهم يوم نسير الجبال لقد جئتمونا فرادى. وقول من زعم أن العامل فيه " خير " يعني والباقيات الصالحات خير يوم نسير الجبال - بعيد جداً كما ترى. وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن يوم القيامة يختل فيه نظام هذا العالم الدنيوي، فتسير جباله، وتبقى أرضه بارزة لا حجر فيها ولا شجر، ولا بناء ولا وادي ولا علم - ذكره في مواضع أخر كثيرة، فذكر أنه يوم القيامة يحمل الأرض والجبال من أماكنهما، ويدكهما دكة واحدة، وذلك في قولهفَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } الحاقة 13-15 الآية. وما ذكره من تسيير الجبال في هذه الآية الكريمة ذكره أيضاً في مواضع أخر، كقولهيَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً } الطور 9-10، وقولهوَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً } النبأ20، وقولهوَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيِّرَتْ } التكوير 3، وقولهوَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } النمل 88 الآية. ثم ذكر في مواضع أخر - أنه جل وعلا يفتتها حتى تذهب صلابتها الحجرية وتلين، فتكون في عدم صلابتها ولينها كالعهن المنفوش، وكالرمل المتهايل، كقوله تعالىيَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ } المعارج 8-9، وقوله تعالىيَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } القارعة 4-5 والعهن الصوف. وقوله تعالىيَوْمَ تَرْجُفُ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ وَكَانَتِ ٱلْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً } المزمل 14، وقوله تعالىوَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً } الواقعة 5 أي فتتت حتى صارت كالبسيسة، وهي دقيق ملتوت بسمن، على أشهر التفسيرات. ثم ذكر جل وعلا أنه يجعلها هباء وسراباً. قالوَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً } الواقعة 5-6 وقالوَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً } النبأ 20. وبين في موضع آخر - أن السراب عبارة عن لا شيء. وهو قولهوَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } النور 39 - إلى قوله -لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً } النور 39. وقوله { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ } قرأه ابن عامر وابن كثير وأبو عمرو " تسير الجبال " بالتاء المثناة الفوقية وفتح الياء المشددة من قوله " تسير " مبنياً للمفعول. و { الجبال } بالرفع نائب فاعل { نسير } والفاعل المحذوف ضمير يعود إلى الله جل وعلا. وقرأه باقي السبعة " نسير " بالنون وكسر الياء المشددة مبنياً للفاعل، و " الجبال " منصوب مفعول به، والنون في قوله " نسير " للتعظيم. وقوله في هذه الآية الكريمة { وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً } البروز الظهور. أي ترى الأرض ظاهرة منكشفة لذهاب الجبال والظراب والآكام، والشجر والعمارات التي كانت عليها. وهذا المعنى الذي ذكره هنا - بينه أيضاً في غير هذا الموضع.

السابقالتالي
2