الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً }

قوله تعالى { وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ }. أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة - أن يقول للناس الحق من ربكم. وفي إعرابه وجهان أحدهما - أن " الحق " مبتدأ، والجار والمجرور خبره، أي الحق الذي جئتكم به في هذا القرآن العظيم، المتضمن لدين الإسلام كائن مبدؤه من ربكم جل وعلا. فليس من وحي الشيطان، ولا من افتراء الكهنة، ولا من أساطير الأولين، ولا غير ذلك. بل هو من خالقكم جل وعلا، الذي تلزمكم طاعته وتوحيده، ولا يأتي من لدنه إلا الحق الشامل للصدق في الأخبار، والعدل في الأحكام، فلا حق إلا منه جل وعلا. الوجه الثاني أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هذا الذي جئتكم به الحق. وهذا الذي ذكره تعالى في هذه الآية الكريمة - ذكره أيضاً في مواضع أخر. كقوله في سورة " البقرة "ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } البقرة 147، وقوله في " آل عمران "ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِّن ٱلْمُمْتَرِينَ } آل عمران 60 إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ }. ظاهر هذه الآية الكريمة بحسب الوضع اللغوي - التخيير بين الكفر والإيمان - ولكن المراد من الآية الكريمة ليس هو التخيير، وإنما المراد بها التهديد والتخويف. والتهديد بمثل هذه الصيغة التي ظاهرها التخيير أسلوب من أساليب اللغة العربية. والدليل من القرآن العظيم على أن المراد في الآية التهديد والتخويف - أنه أتبع ذلك بقولهإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً } الكهف 29 وهذا أصرح دليل على أن المراد التهديد والتخويف. إذ لو كان التخيير على بابه لما توعد فاعل أحد الطرفين المخير بينهما بهذا العذاب الأليم. وهذا واضح كما ترى. وقوله في هذه الآية الكريمة { أعتدنا } أصله من الاعتاد، والتاء فيه أصلية وليست مبدلة من دال على الأصح. ومنه العتاد بمعنى العدة للشيء. ومعنى " أعتدنا " أرصدنا وأعددنا. والمراد بالظالمين هنا الكفار. بدليل قوله قبله { وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } وقد قدمنا كثرة إطلاق الظلم على الكفر في القرآن. كقولهإِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } لقمان 13، وقولهوَٱلْكَافِرُونَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } البقرة 254، وقوله تعالىوَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ ٱلظَّالِمِينَ } يونس 106 ونحو ذلك من الآيات. وقد قدمنا أن الظلم في لغة العرب وضع الشيء في غير محله، ومن أعظم ذلك وضع العبادة في مخلوق. وقد جاء في القرآن إطلاق الظلم على النقص في قوله

السابقالتالي
2 3 4