الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }

أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة أن يصبر نفسه، أي يحبسها مع المؤمنين الذين يدعون ربهم أول النهار وآخره مخلصين له، لا يريدون بدعائهم إلا رضاه جل وعلا. وقد نزلت هذه الآية الكريمة في فقراء المهاجرين كعمار، وصهيب، وبلال، وابن مسعود ونحوهم. لما أراد صناديد الكفار من النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يطردهم عنه، ويجالسهم بدون حضور أولئك الفقراء المؤمنين، وقد قدمنا في سورة " الأنعام " أن الله كما أمره هنا بأن يصبر نفسه معهم أمره بألا يطردهم، وأنه إذا رآهم يسلم عليهم، وذلك في قولهوَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } الأنعام 52 - إلى قوله -وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ } الأنعام 54 وقد أشار إلى ذلك المعنى في قولهعَبَسَ وَتَوَلَّىٰ أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّىٰ وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىٰ وَهُوَ يَخْشَىٰ فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } عبس 1-11. وقد قدمنا أن ما طلبه الكفار من نبينا صلى الله عليه وسلم من طرده فقراء المؤمنين وضعفاءهم تكبراً عليهم وازدراء بهم - طلبه أيضاً قوم نوح من نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وأنه امتنع من طردهم أيضاً، كقوله تعالى عنهمقَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } الشعراء 111، وقوله عنهم أيضاًوَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ } هود 27، وقال عن نوح في امتناعه من طردهموَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } الشعراء 114-115، وقوله تعالى عنهوَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ وَيٰقَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } هود 29-30. وقوله { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ } فيه الدليل على أن مادة الصبر تتعدى بنفسها للمفعول، ونظير ذلك من كلام العرب قول أبي ذؤيب أو عنترة
فصبرت عارفة بذلك حرة ترسو إذا نفس الجبان تطلع   
والغداة أول النهار. والعشي آخره. وقال بعض العلماء { يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } أي يصلون صلاة الصبح والعصر. والتحقيق أن الآية تشمل أعم من مطلق الصلاة. والله تعالى أعلم. قوله تعالى { وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا }. نهى الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة - أن تعدو عيناه عن ضعفاء المؤمنين وفقرائهم، طموحاً إلى الأغنياء وما لديهم من زينة الحياة الدنيا. ومعنى { لا تعد عيناك } أي لا تتجاوزهم عيناك وتنبوا عن رثاثة زيهم، محتقراً لهم طامحاً إلى أهل الغنى والجاه والشرف بدلاً منهم.

السابقالتالي
2 3