الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً } * { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً }

قوله تعالى { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ }. نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة أن يقول إنه سيفعل شيئاً في المستقبل إلا معلقاً ذلك على مشيئة الله الذي لا يقع شيء في العالم كائناً ما كان إلا بمشيئته جل وعلا فقوله { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ } الكهف 23 أي لا تقولن لأجل شيء تعزم على فعله في المستقبل إني فاعل ذلك الشيء غداً. والمراد بالغد ما يستقبل من الزمان لا خصوص الغد. ومن أساليب العربية إطلاق الغد على المستقبل من الزمان. ومنه قول زهير
واعلم علم اليوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما في غد عم   
يعني أنه لا يعلم ما يكون في المستقبل، إذ لا وجه لتخصيص الغد المعين بذلك. وقوله { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } الكهف 24 إلا قائلاً في ذلك إلا أن يشاء الله، أي معلقاً بمشيئة الله. أو لا تقولنه إلا بإن شاء الله، أي إلا بمشيئة الله. وهو في موضع الحال، يعني إلا متلبساً بمشيئة الله قائلاً إن شاء الله، قاله الزمخشري وغيره. وسبب نزول هذه الآية الكريمة - أن اليهود قالوا لقريش سلوا محمداً " صلى الله عليه وسلم " عن الروح، وعن رجل طواف في الأرض يعنون ذا القرنين، " وعن فتية لهم قصة عجيبة في الزمان الماضي { يعنون أصحاب الكهف. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " سأخبركم غداً عما سألتم عنه " ولم يقل إن شاء الله، فلبث عنه الوحي مدة، قيل خمس عشرة ليلة، وقيل غير ذلك. فأحزنه تأخر الوحي عنه، ثم أنزل عليه الجواب عن الأسئلة الثلاثة، قال في الروحوَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } الإسراء 85 الآية. وقال في الفتيةنَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ } الكهف 13 الآيات إلى آخر قصتهم. وقال في الرجل الطوافوَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً } الكهف 83 الآيات الكريمة إلى آخر قصته. فإذا عرفت معنى هذه الآية الكريمة وسبب نزولها، وأن الله عاتب نبيه فيها على عدم قوله إن شاء الله، لما قال لهم سأخبركم غداً - فاعلم أنه دلت آية أخرى بضميمة بيان السنة لها على أن الله عاتب نبيه سليمان على عدم قوله إن شاء الله، كما عاتب نبيه في هذه الآية على ذلك. بل فتنة سليمان لذلك كانت أشد. فقد أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال " " قال سليمان بن داود عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام لأطوفن الليلة على سبعين امرأة وفي رواية تسعين امرأة، وفي رواية مائة امرأة - تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله " فقيل له - وفي رواية قال له الملك " قل إن شاء الله " فلم يقل. فطاف بهن فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان دركاً لحاجته ". وفي رواية " ولقاتلوا في سبيل الله فرساناً أجمعون "

السابقالتالي
2 3