قوله تعالى { وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ }. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه بعث أصحاب الكهف من نومتهم الطويلة ليتساءلوا بينهم، أي ليسأل بعضهم بعضاً عن مدة لبثهم في الكهف في تلك النومة، وأن بعضهم قال إنهم لبثوا يوماً أو بعض يوم، وبعضهم رد علم ذلك إلى الله جل وعلا. ولم يبين هنا قدر المدة التي تساءلوا عنها في نفس الأمر، ولكنه بين في موضع آخر أنها ثلاثمائة سنة بحساب السنة الشمسية، وثلاثمائة سنة وتسع سنين بحساب السنة القمرية، وذلك في قوله تعالى{ وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَٱزْدَادُواْ تِسْعاً } الكهف 25 كما تقدم. قوله تعالى { فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ } الآية. في قوله هذه الآية " ازكى " قولان للعلماء. أحدهما - أن المراد بكونه " أزكى " أطيب لكونه حلالاً ليس مما فيه حرام ولا شبهة. والثاني - أن المراد بكونه أزكى أنه أكثر، كقولهم زكا الزرع إذا كثر، وكقول الشاعر
قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة وللسبع أزكى من ثلاث وأطيب
أي أكثر من ثلاثة. والقول الأول هو الذي يدل له القرآن، لأن أكل الحلال والعمل الصالح أمر الله به المؤمنين كما أمر المرسلين قال{ يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً } المؤمنون 51 الآية، وقال{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَٱشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } البقرة 172. ويكثر في القرآن إطلاق مادة الزكاة على الطهارة كقوله{ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } الأعلى 14 الآية، وقوله{ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } الشمس 9 الآية، وقوله{ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً } النور 21، وقوله{ فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً } الكهف 81 وقوله{ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ } الكهف 74 الآية، إلى غير ذلك من الآيات. فالزكاة في هذه الآيات ونحوها يراد الطهارة من أدناس الذنوب والمعاصي، فاللائق بحال هؤلاء الفتية الأخيار المتقين أن يكون مطلبهم في مأكلهم - الحلبة والطهارة، لا الكثرة. وقد قال بعض العلماء إن عهدهم بالمدينة فيها مؤمنون يخفون إيمانهم، وكافرون. وأنهم يريدون الشراء من طعام المؤمنين دون الكافرين. وأن ذلك مرادهم بالزكاة في قوله { أزكى طعاماً } وقيل كان فيها أهل كتاب ومجوس. والعلم عند الله تعالى. والورق في قوله تعالى { فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ } الفضة، وأخذ علماء المالكية وغيرهم من هذه الآية الكريمة مسائل من مسائل الفقه المسألة الأولى - جواز الوكالة وصحتها، لأن قولهم { فابعثوا أحدكم بورقكم.. } الآية تدل على توكيلهم لهذا المبعوث لشراء الطعام. وقال بعض العلماء لا تدل الآية على جواز التوكيل مطلقاً بل مع التقية والخوف، لأنهم لو خرجوا كلهم لشراء حاجاتهم لعلم بهم أعداؤهم في ظنهم فهم معذورون، فالآية تدل على توكيل المعذور دون غيره.