الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً }

قوله تعالى { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ }. الحسبان بمعنى الظن. والأيقاظ جمع يقظ - بكسر القاف وضمها -، ومنه قول عمر بن أبي ربيعة
فلما رأت من قد تنبه منهم وأيقاظهم قالت أشر كيف تأمر   
والرقود جمع راقد وهو النائم، أي تظنهم أيها المخاطب لو رأيتهم أيقاظاً والحال أنهم رقود. ويدل على هذا المعنى قوله تعالى في نظيره { لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً } الكهف 18 الآية. وقال بعض العلماء سبب ظن الرائي أنهم أيقاظ هو أنهم نيام وعيونهم مفتحة، وقيل لكثرة تقلبهم. وهذا القول يشير له قوله تعالى بعده { وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ } الكهف 18. وكلام المفسرين هنا في عدد تقلبهم من كثرة وقلة لا دليل عليه. ولذا أعرضنا عن ذكر الأقوال فيه. وقوله في هذه الآية { وتحسبهم } قرأه بفتح السين على القياس ابن عامر وعاصم وحمزة. وقرأه بكسر السين نافع وابن كثير وأبو عمرو والكسائي، وهما قراءتان سبعيتان، ولغتان مشهورتان، والفتح أقيس والكسر أفصح. قوله تعالى { وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ }. اختلفت عبارات المفسرين في المراد بـ " الوصيد " فقيل هو فناء البيت. ويروى عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقيل الوصيد الباب، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً. وقيل الوصيد العتبة. وقيل الصعيد. والذي يشهد له القرآن أن الوصيد هو الباب. ويقال له " أصيد " أيضاً. لأن الله يقول "إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ } الهمزة 8 أي مغلقة مطبقة. وذلك بإغلاق كل وصيد أو أصيد، وهو الباب من أبوابها. ونظير الآية من كلام العرب قول الشاعر
تحن إلى أجبال مكة ناقتي ومن دونها أبواب صنعاء مؤصدة   
وقول ابن قيس الرقيات
إن في القصر لو دخلنا غزالا مصفقاً مؤصداً عليه الحجاب   
فالمراد بالإيصاد في جميع ذلك الإطباق والإغلاق. لأن العادة فيه أن يكون بالوصيد وهو الباب. ويقال فيه أصيد. وعلى اللغتين القراءتان في قوله " مؤصدة " مهموزاً من الأصيد.. وغير مهموز من الوصيد. ومن إطلاق العرب الوصيد على الباب قول عبيد بن وهب العبسي، وقيل زهير
بأرض فضاء لا يسد وصيدها علي ومعروفي بها غير منكر   
أي لا يسد بابها علي، يعني ليست فيها أبواب حتى تسد علي. كقول الآخر
ولا ترى الضب بها ينجحر   
فإن قيل كيف يكون الوصيد هو الباب في الآية، والكهف غار في جبل لا باب له؟ فالجواب أن الباب يطلق على المدخل الذي يدخل للشيء منه. فلا مانع من تسمية المدخل إلى الكهف باباً. ومن قال الوصيد الفناء لا يخالف ما ذكرنا. لأن فناء الكهف هو بابه، وقد قدمنا مراراً أن من أنواع البيان التي تضمنها هذا الكتاب المبارك أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً وتكون في الآية قرينة تدل على خلافه.

السابقالتالي
2