الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً }

قوله تعالى { وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ }. اعلم أولاً أما قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها - أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً، ويكون في نفس الآية قرينة تدل على خلاف ذلك القول. وذكرنا من ذلك أمثلة متعددة. وإذا علمت ذلك فاعلم أن العلماء اختلفوا في هذه الآية على قولين وفي نفس الاية قرينة تدل على صحة أحدهما وعدم صحة الآخر. أما القول الذي تدل القرينة في الآية على خلافه - فهو أن أصحاب الكهف كانوا في زاوية من الكهف، وبينهم وبين الشمس حواجز طبيعية من نفس الكهف، تقيهم حر الشمس عند طلوعها وغروبها. على ما سنذكر تفصيله إن شاء الله تعالى. وأما القول الذي تدل القرينة في هذه الآية على صحته - فهو أن أصحاب الكهف كانوا في فجوة من الكهف على سمت تصيبه الشمس وتقابله. إلا أن الله منع ضوء الشمس من الوقوع عليهم على وجه خرق العادة. كرامة لهؤلاء القوم الصالحين، الذين فروا بدينهم طاعة لربهم جل وعلا. والقرينة الدالة على ذلك هي قوله تعالى { ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ } إذ لو كان الأمر كما ذكره أصحاب القول الأول لكان ذلك أمراً معتاداً مألوفاً، وليس فيه غرابة حتى يقال فيه { ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ } وعلى هذا الوجه الذي ذكرناه أنه تشهد له القرينة المذكورة. فمعنى تزاور الشمس عن كهفهم ذات اليمين عند طلوعها، وفرضها إياهم ذات الشمال عند غروبها - هو أن الله يقلص ضوءها عنهم ويبعده إلى جهة اليمين عند الطلوع، وإلى جهة الشمال عند الغروب. والله جل وعلا قادر على كل شيء، يفعل ما يشاء. فإذا علمت هذا - فاعلم أن أصحاب القول الأول اختلفوا في كيفية وضع الكهف.وجزم ابن كثير في تفسيره بأن الآية تدل على أن باب الكهف كان من نحو الشمال، قال لأنه تعالى أخبر بأن الشمس إذا دخلته عند طلوعها تزاور عنه ذات اليمين، أي يتقلص الفيء يمنة. كما قال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة تزاور أي تميل، وذلك أنها كلما ارتفعت في الأفق تقلص شعاعها بارتفاعها حتى لا يبقى منه شيء عند الزوال في ذلك المكان. ولهذا قال تعالى { وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ } أي تدخل إلى غارهم من شمال بابه وهو من ناحية الشرق، فدل على صحة ما قلناه وهذا بين لمن تأمله، وكان له علم بمعرفة الهيئة وسير الشمس والقمر والكواكب. وبيانه - أنه لو كان باب الغار من ناحية الشرق لما دخل إليه منها شيء عند الغروب.

السابقالتالي
2 3 4 5