الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً }

" إذ " في قوله { وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ } للتعليل على التحقيق، كما قاله ابن هشام وعليه فالمعنى ولأجل اعتزالكم قومكم الكفار وما يعبدونه من دون الله، فاتخذوا الكهف مأوى ومكان اعتصام، ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من أمركم مرفقاً، وهذا يدل على أن اعتزال المؤمن قومه الكفار ومعبوديهم من أسباب لطف الله به ورحمته. وهذا المعنى يدل عليه أيضاً قوله تعالى في نبيه إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلاموَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىۤ أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّاً فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً وَوَهَبْنَا لَهْمْ مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً } مريم 48-50. واعتزالهم إياهم هو مجانبتهم لهم، وفرارهم منهم بدينهم. وقوله { وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ ٱللَّهَ } اسم موصول في محل نصب معطوف على الضمير المنصوب في قوله { ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ } أي واعتزلتم معبوديهم من دون الله. وقيل " ما " مصدرية، أي اعتزلتموهم واعتزلتم عبادتهم غير الله تعالى. والأول أظهر. وقوله { إلا الله } قيل هو استثناء متصل، بناء على أنهم كانوا يعبدون الله والأصنام. وقيل هو استثناء منقطع. بناء على القول بأنهم كانوا لا يعبدون إلا الأصنام، ولا يعرفون الله ولا يعبدونه. وقوله { مرفقاً } أي ما ترتفقون به أي تنتفعون به. وقرأه نافع وابن عامر بفتح الميم وكسر الفاء مع تفخيم الراء. وقرأه باقي السبعة بكسر الميم وفتح الفاء وترقيق الراء، وهما قراءتان ولغتان فيما يرتفق به، وفي عضو الإنسان المعروف. وأنكر الكسائي في " المرفق " بمعنى عضو الإنسان - فتح الميم وكسر الفاء، وقال هو بكسر الميم وفتح الفاء، ولا يجوز غير ذلك. وزعم ابن الأنباري أن " من " في قوله { وَيُهَيِّىءْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ } بمعنى البديلة، أي يهيىء لكم بدلاً من " أمركم " الصعب مرفقاً وعلى هذا الذي زعم غاية كقوله تعالىأَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ } التوبة 38 أي بدلاً منها وعوضاً عنها. ومن هذا المعنى قول الشاعر
فليت لنا من ماء زمزم شربة مبردة باتت على طهيان   
أي بدلاً من ماء زمزم، والله تعالى أعلم. ومعنى { يَنْشُرْ لَكُمْ } يبسط لكم كقولهوَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ } الشورى 28 الآية وقوله { وَيُهَيِّىءْ } أي ييسر ويقرب ويسهل.