الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً }

قوله تعالى { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ }. أي ثبتنا قلوبهم وقويناها على الصبر، حتى لا يجزعوا ولا يخافوا من أن يصدعوا بالحق، ويصبروا على فراق الأهل والنعيم، والفرار بالدين في غار في جبل لا أنيس به، ولا ماء ولا طعام. ويفهم من هذه الآية الكريمة أن من كان في طاعة ربه جل وعلا أنه تعالى يقوي قلبه، ويثبته على تحمل الشدائد، والصبر الجميل. وقد أشار تعالى إلى وقائع من هذا المعنى في مواضع أخر، كقوله في أهل بدر مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابهإِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } الأنفال 11-12، الآية، وكقوله في أم موسىوَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } القصص 10. وأكثر المفسرين على أن قوله { إِذْ قَامُواْ } أي بين يدي ملك بلادهم، وهو ملك جبار يدعو إلى عبادة الأوثان، يزعمون أن اسمه دقيانوس. وقصتهم مذكورة في جميع كتب التفسير، أعرضنا عنها لأنها إسرائيليات. وفي قيامهم المذكور هنا أقوال أخر كثيرة. والعامل في قوله " إذ " هو " ربطنا " ، على قلوبهم حين قاموا. قوله تعالى { فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً }. ذكر جل وعلا هذه الآية الكريمة أن هؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم فزادهم ربهم هدى قالوا إن ربهم هو رب السموات والأرض، وأنهم لن يدعوا من دونه إلهاً، وأنهم لو فعلوا ذلك قالوا شططاً. أي قولاً ذا شطط. أو هو من النعت بالمصدر للمبالغة. كأن قولهم هو نفس الشطط. والشطط البعد عن الحق والصواب. وإليه ترجع أقوال المفسرين، كقول بعضهم " شططا " جواراً، تعدياً، كذباً، خطاً، إلى غير ذلك من الأقوال. وأصل مادة الشطط مجاوزة الحد، ومنه أشط في السوم إذا جاوز الحد. ومنه قوله تعالىوَلاَ تُشْطِطْ } ص 22 الآية. أو البعد، ومنه قول عمر بن أبي ربيعة.
تشط غداً دار جيراننا وللدار بعد غد أبعد   
ويكثر استعمال الشطط في الجور والتعدي، ومنه قول الأعشى
أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل   
وهذه الآية الكريمة تدل دلالة واضحة على أن من أشرك مع خالق السموات والأرض معبوداً آخر فقد جاء بأمر شطط بعيد عن الحق والصواب في غاية الجور والتعدي. لأن الذي يستحق العبادة هو الذي يبرز الخلائق من العدم إلى الوجود، لأن الذي لا يقدر على خلق غيره مخلوق يحتاج إلى خالق يخلقه ويرزقه.

السابقالتالي
2