الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً }

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن من حكم بعثه لأصحاب الكهف بعد هذه النومة الطويلة - أن يبين للناس أي الحزبين المختلفين في مدة لبثهم أحصى لذلك وأضبط له. ولم يبين هنا شيئاً عن الحزبين المذكورين. وأكثر المفسرين على أن أحد الحزبين - هم أصحاب الكهف. والحزب الثاني - هم أهل المدينة الذين بعث الفتية على عهدهم حين كان عندهم التاريخ بأمر الفتية. وقيل عما حزبان من أهل المدينة المذكورة، كان منهم مؤمنون وكافرون. وقيل هما حزبان من المؤمنين في زمن اصحاب الكهف. اختلفوا في مدة لبثهم، قاله الفراء وعن ابن عباس الملوك الذين تداولوا ملك المدينة حزب، وأصحاب الكهف حزب. إلى غير ذلك من الأقوال. والذي يدل عليه القرآن أن الحزبين كليهما من أصحاب الكهف. وخير ما يفسر به القرآن القرآن، وذلك في قوله تعالىوَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ } الكهف 19. وكأن الذين قالوا { رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ } هم الذين علموا أن لبثهم قد تطاول. ولقائل أن يقول قوله عنهم { ربكم أعلم بما لبثتم } يدل على أنهم لم يحصوا مدة لبثهم. والله تعالى أعلم. وقد يجاب عن ذلك بأن رد العلم إلى الله لا ينافى العلم، بدليل أن الله أعلم نبيه بمدة لبثهم في قولهوَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ } الكهف 25 الآية، ثم أمره برد العلم إليه في قولهقُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا } الكهف 26 الآية. وقوله { بعثناهم } أي من نومتهم الطويلة. والبعث التحريك من سكون، فيشمل بعث النائم والميت، وغير ذلك. وقد بينا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يذكر الله جل وعلا حكمة لشيء في موضع، ويكون لذلك الشيء حكم أخر مذكورة في مواضع أخرى - فإنا نبينها. ومثلنا لذلك، وذكرنا منه أشياء متعددة في هذا الكتاب المبارك. وإذا علمت ذلك فاعلم أنه تعالى هنا في هذه الآية الكريمة بين من حكم بعثهم إظهاره للناس أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً. وقد بين لذلك حكماً أخر في غير هذا الموضع. منها - أن يتساءلوا عن مدة لبثهم، كقولهوَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ } الكهف 19 الآية. ومنها - إعلام الناس أن البعث حق، وأن الساعة حق لدلالة قصة أصحاب الكهف على ذلك. وذلك في قولهوَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا } الكهف 21 الآية. واعلم أن قوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة { ثم بعثناهم لنعلم } الآية - لا يدل على أنه لم يكن عالماً بذلك قبل بعثهم، وإنما علم بعد بعثهم.

السابقالتالي
2 3 4