الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِيۤ أَوْلِيَآءَ إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً }

الهمزة في قوله تعالى { أفحسب } للإنكار والتوبيخ. وفي الآية حذف دل المقام عليه. قال بعض العلماء تقدير المحذوف هو أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء، ولا أعاقبهم العقاب الشديد‍! كلا‍‍!! بل سأعاقبهم على ذلك العقاب الشديد. بدليل قوله تعالى بعده { إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً } وقال بعض العلماء تقديره أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء! وأن ذلك ينفعهم. كلا! لا ينفعهم بل يضرهم. ويدل لهذا قوله تعالى عنهممَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } الزمر 3 وقوله عنهموَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } يونس 18. ثم إنه تعالى بين بطلان ذلك بقولهقُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } يونس 18، وما أنكره عليهم هنا من ظنهم أنهم يتخذون من دونه أولياء من عباده ولا يعاقبهم. أو أن ذلك ينفعهم - جاء مبيناً في مواضع، كقوله في أول سورة " الأعراف "ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } الأعراف 3 الآية. فقد نهاهم عن اتباع الأولياء من دونه في هذه الآية، لأنه يضرهم ولا ينفعهم، وأمثال ذلك كثيرة في القرآن من الأدلة على أنه لا ولي من دون الله لأحد، وإنما الموالاة في الله، كقولهوَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ } الكهف 26 الآية، وقولهوَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } هود 113، وقولهوَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ } الشورى 44 الآية، وقولهوَأَنذِرْ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ } الأنعام 51 الآية، وقولهوَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيٌّ } الأنعام 70 الآية، ونحو ذلك من الآيات. وسيأتي له قريباً إن شاء الله تعالى زيادة إيضاح وأمثلة. والأظهر المتبادر من الإضافة في قوله " عبادي " أن المراد بهم نحو الملائكة وعيسى وعزير. لا الشياطين ونحوهم، لأن مثل هذه الإضافة للتشريف غالباً. وقد بين تعالى أنهم لا يكونون أولياء لهم في قولهوَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ } سبأ 40-41 الآية، وقوله { إنا أعتدنا } قد أوضحنا معناه في قوله تعالىإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً } الكهف 29 الآية، فأغنى عن إعادته هنا. وفي قوله { نزلاً } أوجه من التفسير للعلماء، أظهرها " أن " النزل " هو ما يقدم للضيف عند نزوله، والقادم عند قدومه. والمعنى أن الذي يهيأ لهم من الإكرام عند قدومهم إلى ربهم هو جهنم المعدة لهم، كقوله

السابقالتالي
2