الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً }

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة من صفة أصحاب الكهف - أنهم فتية، وأنهم أووا إلى الكهف، وأنهم دعوا ربهم هذا الدعاء العظيم الشامل لكل خير، وهو قوله عنهم { رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً }. وبين في غير هذا الموضع أشياء أخرى من صفاتهم وأقوالهم، كقولهإِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } الكهف 13 إلى قولهيَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّىءْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً } الكهف 16 و { إذ } في قوله هنا { إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ } منصوبة بـ { اذكر } مقدراً. وقيل بقولهعَجَباً } الكهف 9 ومعنى قوله { إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ } أي جعلوا الكهف مأوى لهم ومكان اعتصام. ومعنى قوله { آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً } أي أعطنا رحمة من عندك. والرحمة هنا تشمل الرزق والهدى والحفظ مما هربوا خائفين منه من أذى قومهم، والمغفرة. والفتية جمع فتى جمع تكسير، وهو من جموع القلة. ويدل لفظ الفتية على قلتهم، وأنهم شباب لا شيب، خلافاً لما زعمه ابن السراج من أن الفتية اسم جمع لا جمع تكسير. وإلى كون مثل الفتية جمع تكسير من جموع القلة - أشار ابن مالك في الخلاصة بقوله
أفعلة افعل ثم فعله كذاك أفعال جموع قله   
والتهيئة التقريب والتيسير أي يسر لنا وقرب لنا من أمرنا رشداً. والرشد الاهتداء والديمومة عليه. و { من } في قوله { من أمرنا } فيها وجهان أحدهما - أنها هنا للتجريد، وعليه فالمعنى اجعل لنا أمرنا رشداً كله. كما تقول لقيت من زيد أسداً. ومن عمرو بحراً. والثاني أنها للتبعيض. وعليه فالمعنى واجعل لنا بعض أمرنا. أي وهو البعض الذي نحن فيه من مفارقة الكفار رشداً حتى نكون بسببه راشدين مهتدين.