الهمزة في قوله { أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِٱلْبَنِينَ } للإنكار ومعنى الآية. أفخصكم ربكم على وجه الخصوص والصفاء بأفضل الأولاد وهم البنون، لم يجعل فيهم نصيباً لنفسه، واتخذ لنفسه أدونهم وهي البنات! وهذا خلاف المعقول والعادة. فإن السادة لا يؤثرون عبيدهم بأجود الأشياء وأصفاها من الشوب، ويتخذون لأنفسهم أردأها وأدونها. فلو كان جل وعلا متخذاً ولداً " سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً " لاتخذ أجود النصيبين ولم يتخذ أردأهما! ولم يصطفكم دون نفسه بأفضلهما. وهذا الإنكار متوجه على الكفار في قولهم الملائكة بنات الله. سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً. فقد جعلوا له الأولاد! ومع ذلك جعلوا له أضعفها وأردأها وهو الإناث! وهم لا يرضونها لأنفسهم. وقد بين الله هذا المعنى في آيات كثيرة. كقوله{ أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } النجم21-22، وقوله{ أَمْ لَهُ ٱلْبَنَاتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ } الطور39، وقوله{ لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } الزمر4 والآيات بمثل هذا كثيرة جداً. وقد بينا ذلك بإيضاح في " سورةالنحل ". وقوله في هذه الآية الكريمة { إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً } بين فيه أن ادعاء الأولاد لله سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً - أمر عظيم جداً. وقد بين شدة عظمه بقوله تعالى{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ ٱلسَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَرْداً } مريم88-95 فالمشركون قبحهم الله جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً، ثم ادعوا أنهم بنات الله، ثم عبدوهم. فاقترفوا الجريمة العظمى في المقامات الثلاث، والهمزة والفاء في نحو قوله { أَفَأَصْفَاكُمْ } قد بينا حكمها بإيضاح في " سورة النحل " أيضاً.