الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً }

قوله تعالى { إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً }. لأن معنى قوله { إِمَّا يَبْلُغَنَّ } الآية اي إن يبلغ عندك والداك أو أحدهما الكبر فلا تقل لهما أف. ومعلوم أن والديه قد ماتا قبل ذلك بزمن طويل. فلا وجه لاشتراط بلوغهما أو أحدهما الكبر بعد أن ماتا منذ زمن طويل، إلا أن المراد التشريع لغيره صلى الله عليه وسلم. ومن أساليب اللغة العربية خطابهم إنساناً والمراد بالخطاب غيره. ومن الأمثلة السائرة في ذلك قول الراجز، وهو سهل بن مالك الفزاري
إياك أعني واسمعي يا جاره   
وسبب هذا المثل أنه زار حارثة بن لأم الطائي فوجده غائباً. فأنزلته أخته وأكرمته، وكانت جميلة. فأعجبه جمالها، فقال مخاطباً لأخرى غيرها ليسمعها هي
يا أخت خير البدو والحضارة كيف ترين في فتى فزاره أصبح يهوى حرة معطاره إياك أعني واسمعي يا جاره   
ففهمت المرأة مراده، وأجابته بقولها
إني اقول يا فتى فزاره لا أبتغي الزوج ولا الدعاره ولا فراق أهل هذي الحاره فارحل إلى أهلك باستحاره   
والظاهر أن قولها " باستحارة " أن أصله استفعال من المحاورة بمعنى رجع الكلام بينهما - أي ارحل إلى أهلك بالمحاورة التي التي وقعت بيني وبينك، وهي كلامك وجوابي له، ولا تحصل مني على غير ذلك! والهاء في " الاستحارة " عوض من العين الساقطة بالإعلال. كما هو معروف في فن الصرف. وذهب بعض أهل العلم إلى أن الخطاب في قولهلاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } الإسراء22 ونحو ذلك من الآيات - متوجه إلى المكلف. ومن أساليب اللغة العربية إفراد الخطاب مع قصد التعميم. كقول طرفة بن العبد في معلقته
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ويأتيك بالأخبار من لم تزود   
وقال الفراء، والكسائي، والزمخشري ومعنى قوله { فتقعد } أي تصير. وجعل الفراء منه قول الراجز
لا يقنع الجارية الخضاب ولا الوشاحان ولا الجلباب من دون أن تلتقي الأركاب ويقعد الأير له لعاب   
أي يصير له لعاب. وحكى الكسائي قعد لا يسأل حاجة إلا قضاها. بمعنى صار. قاله أبو حيان في البحر. ثم قال أيضاَ والقعود هنا عبارة عن المكث، أي فتمكث في الناس مذموماً مخذولاً. كما تقول لمن سأل عن حال شخص هو قاعد في أسوأ حال. ومعناه ماكث ومقيم. سواء كان قائماً أم جالساً. وقد يراد القعود حقيقة. لأن من شأن المذموم المخذول أن يقعد حائراً متفكراً، وعبر بغالب حاله وهو القعود. وقيل معنىفَتَقْعُدَ } الإسراء22 فتعجز. والعرب تقول ما أقعدك عن المكارم اهـ محل الغرض من كلام أبي حيان. والمذموم هنا هو من يلحقه الذم من الله ومن القعلاء من الناس.

السابقالتالي
2