الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً }

قوله تعالى { وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ }. لما بين جل وعلا في هذه الأية الكريمة عظم شأن نبيه محمد صلى الله علية وسلم، ذكر عظم شأن موسى بالكتاب العظيم، الذي أنزله إليه، وهو التوراة. مبيناً أنه جعله هدىً لبني إسرائيل. وكرر جل وعلا هذا المعنى في القرآن. كقولهوَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } السجدة23-24، وقولهوَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ ٱلأُولَىٰ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ } القصص43، وقولهثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } الأنعام154 الآية، وقولهوَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ.. } الأعراف145 الآية إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى { أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً }. اعلم أن هذا الحرف قرأه جمهور القراء { ألا تتخذون } بالتاء على وجه الخطاب. وعلى هذا فـ " أن " هي المفسرة. فجعل التوراة هدى لبني إسرائيل مفسر بنهيهم عن اتخاذ وكيل من دون الله. لأن الإخلاص لله في عبادته هو ثمرة الكتب المنزلة على الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه. وعلى هذه القراءة فـ " لا " في قوله { أَلاَّ تَتَّخِذُواْ } ناهية. وقرأه أبو عمرو من السبعة { أَلاَّ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً } بالياء على الغيبة. وعلى هذه القراءة فالمصدر المنسبك من " أن " وصلتها مجرور بحرف التعليل المحذوف. أي وجعلناه هدى لبني إسرائيل لأجل ألا يتخذوا من دوني وكيلاً. لأن اتخاذ الوكيل الذي تسند إليه الأمور، وتفوض من دون الله ليس من الهدى. فمرجع القراءتين إلى شيء واحد، وهو أن التوكل إنما يكون على الله وحده لا على غيره. وكرر هذا المعنى في مواضع كثيرة. كقولهرَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } المزمل9، وقولهقُلْ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا } الملك29. وقولهفَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } التوبة129، وقولهوَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } الطلاق3، وقولهقَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَعلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ آذَيْتُمُونَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } إبراهيم11-12، وقولهإِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ } هود56 الآية، وقولهوَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ } يونس71، وقولهوَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً }

السابقالتالي
2