الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً }

في معنى قوله { أّمرنا مترفيها } في هذه الآية الكريمة ثلاثة مذاهب معروفة عند علماء التفسير الأول - وهو الصواب الذي يشهد له القرآن، وعليه جمهور العلماء - أن الأمر في قوله { أمرنا } هو الأمر الذي هو ضد النهي، وأن متعلق الأمر محذوف لظهوره. والمعنى { أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } بطاعة الله وتوحيده، وتصديق رسله وأتباعهم فيما جاؤوا به { فَفَسَقُواْ } اي خرجوا عن طاعة أمر ربهم، وعصوه وكذبوا رسله { فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ } اي وجب عليها الوعيد { فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً } أي أهلكناها إهلاكاً مستاصلا. وأكد فعل التدمير بمصدره للمبالغة في شدة الهلاك الواقع بهم. وهذا القول الذي هو الحق في هذه الآية تشهد له آيات كثيرة. كقولهوَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ } الأعراف28 الآية. فتصريحه جل وعلا بأنه لا يأمر بالفحشاء دليل واضح على أنه قوله { أمرنا مترفيها ففسقوا } أي أمرناهم بالطاعة فعصوا. وليس المعنى أمرناهم بالفسق ففسقوا. لأن الله لا يأمر بالفحشاء. ومن الآيات الدالة على هذا قوله تعالىوَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } سبأ34-35. فقوله في هذه الآية { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ } الآية. لفظ عام في جميع المترفين من جميع القرى أن الرسل أمرتهم بطاعة الله فقالوا لهم إنا بما أرسلتم به كافرون، وتبجحوا بأموالهم وأولادهم. والآيات بمثل ذلك كثيرة. وبهذا التحقيق تعلم أن ما زعمه الزمخشري في كشافه من أن معنى { أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } أي أمرناهم بالفسق ففسقوا. وأن هذا مجاز تنزيلاً لإسباغ النعم عليهم الموجب لبطرهم وكفرهم منزلة الأمر بذلك - كلام كله ظاهر السقوط والبطلان. وقد اوضح إبطاله أبو حيان في " البحر " ، والرازي في تفسيره، مع أنه لا يشك منصف عارف في بطلانه. وهذا القول الصحيح في الآية جار على الأسلوب العربي المألوف، من قولهم أمرته فعصاني. اي أمرته بالطاعة فعصى. وليس المعنى امرته بالعصيان كما لا يخفى. القول الثاني في الآية - هو أن الأمر في قوله أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } امر كوني قدري، اي قدرنا عليهم ذلك وسخرناهم له. لأن كلاً ميسر لما خلق له. والأمر الكوني القدري كقولهوَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ } القمر50، وقولهقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } الأعراف166، وقولهأَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً } يونس24، وقولهإِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } يس82. القول الثالث في الآية - أن " أ‍مَرْنَا " بمعنى أكثرنا. أي أكثرنا مترفيها ففسقوا وقال أبو عبيدة { أمرنا } بمعنى أكثرنا لغة فصيحة كآمرنا بالمد. ويدل لذلك الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد عن سويد بن هبيرة أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال

السابقالتالي
2 3