الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن كل عامل سواء كان ذكراً أو أنثى عمل عملاً صالحاً فإنه جل وعلا يقسم ليحيينه حياة طيبة، وليجزينه أجره بأحسن ما كان يعمل. اعلم أولاً - أن القرآن العظيم دل على أن العمل الصالح هو ما استكمل ثلاثة أمور الأول - موافقته لما جاء به النَّبي صلى الله عليه وسلم. لأن الله يقولوَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } الحشر 7. الثاني - أن يكون خالصاً لله تعالى. لأن الله جل وعلا يقولوَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } البينة 5،قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ } الزمر 14-15. الثالث - أن يكون مبنياً على أساس العقيدة الصحيحة. لأن الله يقولمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } النحل 96 فقيَّد ذلك بالإيمان، ومفهوم مخالفته أنه لو كان غير مؤمن لما قبل منه ذلك العمل الصالح. وقد أوضح جل وعلا هذا المفهوم في آيات كثيرة، كقوله في عمل غير المؤمنوَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } الفرقان 23، وقولهأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } هود 16، وقولهأَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } النور 39 الآية، وقولهأَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ } إبراهيم 18،إلى غير ذلك من الآيات. واختلف العلماء في المراد بالحياة الطيبة في هذه الآية الكريمة. فقال قوم لا تطيب الحياة إلا في الجنة، فهذه الحياة الطيبة في الجنة. لأن الحياة الدنيا لا تخلو من المصائب والأكدار، والأمراض والآلام والأحزان، ونحو ذلك وقال تعالىوَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } العنكبوت 64. والمراد بالحيوان الحياة. وقال بعض العلماء الحياة الطيبة في هذه الآية الكريمة في الدنيا، وذلك بأن يوفق الله عبده إلى ما يرضيه، ويرزقه العافية والرزق الحلال. كما قال تعالىرَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } البقرة 201. قال مقيدة عفا الله عنه وفي الآية الكريمة قرينة تدل على أن المراد بالحياة الطيبة في الآية حياته في الدنيا حياة طيبة. وتلك القرينة هي أننا لو قدرنا أن المراد بالحياة الطيبة حياته في الجنة في قوله { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } صار قوله { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } تكراراً معه. لأن تلك الحياة الطيبة هي أجر عملهم. بخلاف ما لو قدرنا أنها في الحياة الدنيا. فإنه يصير المعنى فلنحيينه في الدنيا حياة طيبة، ولنجزينه في الآخرة بأحسن ما كان يعمل، وهو واضح. وهذا المعنى الذي دل عليه القرآن تؤيَّده السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3