الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوۤاْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قوله تعالى { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ }. بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن ما عنده من نعيم الجنة باق لا يفنى. وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر. كقولهعَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } هود 108، وقولهإِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ } ص 54، وقولهوَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً } الكهف 2-3 إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى { وَلَنَجْزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوۤاْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }. أقسم جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه سيجزي الذين صبروا أجرهم - أي جزاء عملهم - بأحسن ما كانوا يعملون. وبين في موضع آخر أنه جزاء بلا حساب. كما في قولهإِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } الزمر 10. تنبيه استنبط بعض العلماء من هذه الآية الكريمة أن فعل المباح حسن. لأن قوله في هذه الآية { بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } صيغة تفضيل تدل على المشاركة، والواجب أحسن من المندوب، والمندوب أحسن من المباح. فيجازون بالأحسن الذي هو الواجب والمندوب، دون مشاركهما في الحسن وهو المباح. وعليه درج في مراقي السعود في قوله
ما ربنا لم ينه عنه حسن وغيره القبيح والمستهجن   
إلا أن الحسن ينقسم إلى حسن وأحسن. ومن ذلك قوله تعالى لموسىفَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } الأعراف 145 الآية. فالجزاء المنصوص عليه في قولهوَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } النحل 126 حسن. والصبر المذكور في قولهوَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } النحل 126 أحسن. وهكذا. وقرأ هذا الحرف ابن كثير وعاصم وابن ذكوان بخلف عنه " ولنجزين " بنون العظمة. وقرأه الباقون بالياء، وهو الطريق الثاني لابن ذكوان.