الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }

قوله تعالى { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ }. اعلم أولاً - أن قصد السبيل هو الطريق المستقيم القاصد، الذي لا اعوجاج فيه، وهذا المعنى معروف في كلام العرب. ومنه قول زهير بن أبي سلمى المزني
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله وعرى أفراس الصبا ورواحله وأقصرت عما تعلمين وسددت علي سوى قصد السبيل معادله   
وقول امرىء القيس
ومن الطريقة جائر وهدى قصد السبيل منه ذو دخل   
فإذا علمت ذلك فاعلم أن في معنى الآية الكريمة وجهين معروفين للعلماء، وكل منهما له مصداق في كتاب الله، إلا أن أحدهما أظهر عندي من الآخر. الأول منهما - أن معنى { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ } أن طريق الحق التي هي قصد السبيل على الله، أي موصلة إليه، ليست حائدة، ولا جائرة عن الوصول إليه وإلى مرضاته. { وَمِنْهَا جَآئِرٌ }. أي ومن الطريق جائر لا يصل إلى الله، بل هو زائغ وحائد عن الوصول إليه. ويشهد لهذا المعنى قوله تعالىوَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } الأنعام 153، وقولهوَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } يس 61. ويؤيد هذا التفسير قوله بعده { وَمِنْهَا جَآئِرٌ } وهذا الوجه أظهر عندي. واستظهره ابن كثير وغيره، وهو قول مجاهد. الوجه الثاني - أن معنى الآية الكريمة { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ } أي عليه جل وعلا أن يبين لكم طريق الحق على ألسنة رسله. ويدل لهذا الوجه قوله تعالىرُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ } النساء 165، وقولهوَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } الإسراء 15، وقولهفَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } التغابن 12 إلى غير ذلك من الآيات. وعلى هذا القول، فمعنى قوله { وَمِنْهَا جَآئِرٌ } غير واضح، لأن المعنى ومن طريق جائر عن الحق، وهو الذي نهاكم الله عن سلوكه، والجائر المائل عن طريق الحق. والوجهان المذكوران في هذه الآية جاريان في قولهإِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ } الليل 12 الآية. قوله تعالى { وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِين }. بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه لو شاء هداية جميع خلقه لهداهم أجمعين. وأوضح هذا المعنى في آيات أخر، كقولهوَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } الأنعام 35، وقولهوَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } السجدة 13 الآية، وقولهوَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ } الأنعام 107، وقولهوَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً } يونس 99 الآية، وقولهوَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً... } هود 118 الآية، إلى غير ذلك من الآيات. وقد قدمنا هذا في سورة يونس.