الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ }

قوله تعالى { ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ }. لم يبين تعالى في هذه الآية الكريمة متعلق الإذن في قوله { لاَ يُؤْذَنُ } ولكنه بين في المرسلات أن متعلق الإذن الاعتذار. أي لا يؤذن لهم في الاعتذار، لأنهم ليس لهم عذر يصح قبوله، وذلك في قولههَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } المرسلات 35-36. فإن قيل ما وجه الجمع بين نفي اعتذارهم المذكور هنا، وبين ما جاء في القرآن من اعتذارهم. كقوله تعالى عنهموَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } الأنعام 23، وقولهمَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ } النحل 28، وقولهبَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً } غافر 74، ونحو ذلك من الآيات. فالجواب - من أوجه منها - أنهم يعتذرون حتى إذا قيل لهم اخسؤوا فيها ولا تكلمون، انقطع نطقهم ولم يبق إلا الزفير والشهيق. كما قال تعالىوَوَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيهِم بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ } النمل 85. ومنها - أن نفي اعتذارهم يراد به اعتذار فيه فائدة. أما الاعتذار الذي لا فائدة فيه فهو كالعدم، يصدق عليه في لغة العرب أنه ليس بشيء، ولذا صرح تعالى بأن المنافقين بكم في قولهصُمٌّ بُكْمٌ } البقرة 18 مع قوله عنهموَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } المنافقون 4 أي لفصاحتهم وحلاوة ألسنتهم. وقال عنهم أيضاًفَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } الأحزاب 19 فهذا الذي ذكره جل و علا من فصاحتهم وحدة ألسنتهم، مع تصريحه بأنهم بكم - يدل على أن الكلام الذي لا فائدة فيه كلا شيء، كما هو واضح. وقال هبيرة بن أبي وهب المخزومي
وإن كلام المرء في غير كنهه لكالنبل تهوي ليس فيها نصالها   
وقد بينا هذا في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في مواضع منه. والترتيب بـ " ثمَّ " في قوله في هذه الآية الكريمة { لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } على قوله { وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً } لأجل الدلالة على أن ابتلاءهم بالمنع من الاعتذار المشعر بالإقناط الكلي أشد من ابتلائهم بشهادة الأنبياء عليهم بكفرهم. قوله تعالى { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ }. اعلم أولاً- أن استعتب تستعمل في اللغة بمعنى طلب العتبى. أي الرجوع إلى ما يرضي العاتب ويسره. وتستعمل أيضاً في اللغة بمعنى أعتب إذا أعطى العتبى. أي رجع إلى ما يحب العاتب ويرضى، فإذا علمت ذلك - فاعلم أن في قوله { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } وجهين من التفسير متقاربي المعنى. قال بعض أهل العلم { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } أي لا تطلب منهم العتبى، بمعنى لا يكلفون أن يرضوا ربهم، لأن الآخرة ليست بدار تكليف، فلا يردون إلى الدنيا ليتوبوا. وقال بعض العلماء { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } أي يعتبون، بمعنى يزال عنهم العتب، ويعطون العتبى وهي الرضا.

السابقالتالي
2