الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ }

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الكفار يعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً من السموات بإنزال المطر، ولا من الأرض بإنبات النبات. وأكد عجز معبوداتهم عن ذلك بأنهم لا يستطيعون، أي لا يملكون أن يرزقوا. والاستطاعة منفية عنهم أصلاً. لأنهم جماد ليس فيه قابلية استطاعة شيء. ويفهم من الآية الكريمة أنه لا يصح أن يعبد إلا من يرزق الخلق. لأن أكلهم رزقه، وعبادتهم غيره كفر ظاهر لكل عاقل. وهذا المعنى المفهوم من هذه الآية الكريمة بينه جل وعلا في مواضع أخر، كقولهإِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُواْ لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } العنكبوت 17، وقولهأَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ } الملك 21، وقولهوَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ } الذاريات 56-58 وقولهقُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ } الأنعام 14، وقولهوَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ } طه 132، وقولههَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } فاطر 3 الآية، وقولهقُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } يونس 31 الآية، إلى غير ذلك من الآيات. تنبيه في قوله { شَيْئاً } في هذه الآية الكريمة ثلاثة أوجه من الإعراب الأول - أنه قوله { رزقاً } مصدر، وأن { شيئاً } مفعول به لهذا المصدر. أي ويعبدون من دون الله ما لا يملك أن يرزقهم شيئاً من الرزق. ونظير هذا الإعراب قوله تعالىأَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً } البلد 14-15 فقوله { يَتِيماً } مفعول به للمصدر الذي هو إطعام. أي أن يطعم يتيماً ذا مقربة. ونظيره من كلام العرب قول المرار بن منقذ التميمي
بضرب بالسيوف رؤوس قوم أزلنا هامهن عن المقيل   
فقوله " رؤوس قوم " مفعول به للمصدر المنكر الذي هو قوله " بضرب " وإلى هذا أشار في الخلاصة بقوله
بفعله المصدر ألحق في العمل مضافاً أو مجرداً أو مع أل   
الوجه الثاني - أن قوله { شيئاً } ما ناب عن المطلق من قوله { رزقاً } بناء على أن المراد بالرزق هو ما يرزقه الله عباده. لا المعنى المصدري. الوجه الثالث - أن يكون قوله { شيئاً } ما ناب عن المطلق من قوله { يملك } أي لا يملك شيئاً من الملك، بمعنى لا يملك قليلاً أن يرزقهم.