الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ }

قوله تعالى { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ } الآية. بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن في الأنعام عبرة دالة على تفرد من خلقها، وأخلص لبنها من بين فرث ودم- بأنه هو وحده المستحق لأن يعبد، ويطاع ولا يعصى. وأوضح هذا المعنى أيضاً في غير هذا الموضع. كقولهوَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } المؤمنون 21، وقولهوَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } النحل 5 وقولهأَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } يس 71-73، وقولهأَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } الغاشية 17، إلى غير ذلك من الآيات. وقد دلت الآيات المذكورة على أن الأنعام يصح تذكيرها وتأنيثها. لأنه ذكرها هنا في قوله { نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ } وأنثها " في سورة قد أفلح المؤمنون " في قولهنُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ } المؤمنون 21 ومعلوم في العربية أن أسماء الأجناس يجوز فيها التذكير نظراً إلى اللفظ، والتأنيث نظراً إلى معنى الجماعة الداخلة تحت اسم الجنس. وقد جاء في القرآن تذكير الأنعام وتأنيثها كما ذكرناه آنفاً. وجاء فيه تذكير النخل وتأنيثها. فالتذكير في قولهكَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } القمر 20. والتأنيث في قولهكَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } الحاقة 7، ونحو ذلك وجاء في القرآن تذكير السماء وتأنيثها. فالتذكير في قولهالسَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ } المزمل 18. والتأنيث في قولهوَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ } الذاريات 47 الآية، ونحو ذلك من الآيات. وهذا معروف في العربية، ومن شواهده قول قيس بن الحصين الحارثي الأسدي وهو صغير في تذكير النعم
في كل عام نعم تحوونه يلقحه قوم وتنتجونه   
وقرأ هذا الحرف نافع وابن عامر وشعبة عن عاصم " نسقيكم " بفتح النون. والباقون بضمها، كما تقدم بشواهده " في سورة الحجر ". مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة المسألة الأولى - استنبط القاضي إسماعيل من تذكير الضمير في قوله { مِّمَّا فِي بُطُونِهِ } أن لبن الفحل يفيد التحريم. وقال إنما جيء به مذكراً لأنه راجع إلى ذكر النعم. لأن اللبن للذكر محسوب، ولذلك " قضى النَّبي صلى الله عليه وسلم " أن لبن الفحل يحرم " حيث أنكرته عائشة في حديث أفلح أخي أبي القعيس، فللمرأة السقي، وللرجل اللقاح. فجرى الاشتراك فيه بينهما اهـ. بواسطة نقل القرطبي. قال مقيده عفا الله عنه أما اعتبار لبن الفحل في التحريم فلا شك فيه، ويدل له الحديث المذكور في قصة عائشة مع أفلح أخي أبي القعيس. فإنه متفق عليه مشهور. وأما استنباط ذلك من عود الضمير في الآية فلا يخلو عندي من بعد وتعسف.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7